بين الاعتكاف والصلاة فالقدر الذي يلزمه من الصلاة هو القدر الذي يلزمه لو أفرد الصلاة بالنذر وإن أوجبنا الجمع لزمه ذلك القدر في يوم اعتكافه ولا يلزمه استيعاب اليوم بالصلاة وإن كان نذر اعتكاف أيام مصليا لزمه ذلك القدر كل يوم وقال بعضهم ظاهر اللفظ يقتضى الاستيعاب فإنه جعل كونه مصليا صفته لاعتكافه وهذا هو الوجه عندي لأنا لو تركنا هذا الظاهر ولم نعتبر تكرير القدر الواجب من الصلاة في كل يوم وليلة اكتفى به في جميع المدة هو لو نذر ان يصلى صلاة يقرأ فيها سورة كذا لزم الجمع عندنا وللشافعية قولان أحدهما انه على الخلاف مسألة كما أنه ليس للعبد ولا للزوجة الابتداء بالاعتكاف المندوب إلا بإذن السيد والزوج كذلك ليس لهما نذر الاعتكاف إلا بإذن المولى والزوج فان نذر أحدهما لم ينعقد نذره وهل يقع باطلا أو موقوفا على الاذن اشكال أقربه الثاني فان أجازا نذرهما وأدنا في الشروع في الاعتكاف وكان الزمان معينا أو غير معين لكن شرطا التتابع لم يجز لهما الرجوع وان لم يشترطا التتابع فالأقرب ان لهما الرجوع وهو أظهر وجهي الشافعية ولو نذر بالاذن فان تعلق بزمان معين فلهما الشروع فيه بغير إذن وإلا لم يشرعا فيه إلا بالاذن وإذا شرعا بالاذن لم يكن لهما المنع من الاتمام وهو مبنى على أن النذر المطلق إذا شرع فيه لزم إتمامه وفيه اشكال وللشافعية خلاف مسألة لو نذر الاعتكاف في المسجد الحرام تعين بالنذر سواء عقد عليهما في نذر واحد أو اطلق نذر الاعتكاف ثم نذر تعيين المطلق فيه ولا خلاف في تعيين المسجد الحرام لو عينه بالنذر لما فيه من زيادة الفضل على غيره وتعلق النسك به وان عين مسجد النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة أو المسجد الأقصى تعين أيضا عندنا وبه قال احمد والشافعي في أحد قوليه لأنه نذر في طاعة فينعقد ولا يجوز له حله ولقول النبي صلى الله عليه وآله لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا فأشبهها المسجد الحرام والثاني للشافعي لأنه لا يتعين بالنذر لأنه لا يتعلق بهما نسك فأشبها ساير المساجد وليس بجيد لأنه لا يلزم من انتفاء تعلق النسك بهما مساواتهما لغيرهما من المساجد ولو عين غير هذه المساجد بالنذر تعين عندنا لاشتماله على عبادة فانعقد نذره كغيره من العبادات وقال احمد لا يتعين بالنذر غير هذه المساجد الثلاثة لقوله (ع) لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ولو تعين غيرها بتعيينه لزمه المضي إليه واحتاج إلى شد الرجال لقضاء نذره فيه ولان الله تعالى لم يعين لعبادته مكانا فلم يتعين بتعيين غيره وانما تعينت هذه المساجد الثلاثة للخبر الوارد فيها ولان العبادة فيها أفضل فإذا عين ما فيه فضيلة لزمه كأنواع العبادة وهو أحد قولي الشافعي أيضا وله قول آخر انه لا يتعين المسجد الأقصى لان النبي صلى الله عليه وآله قال صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وهذا يدل على التسوية فيما عدا هذين المسجدين لان المسجد الأقصى لو فضلت الصلاة فيه على غيره للزم أحد أمرين إما خروجه من عموم هذا الحديث وإما كون فضيلته بألف مختصا بالمسجد الأقصى وليس بلازم فإنه إذا فضل الفاضل بألف فقد فضل المفضول بها أيضا وقد بينا ان النذر عندنا يتعين به ما يعينه الناذر من المكان كالزمان والتعيين وإن كان بالنذر لكن لما أوجب الله تعالى الوفاء بالنذر كان التعيين مستندا إليه تعالى مسألة إذا نذر الاعتكاف في مسجد تعين وليس له العدول إلى مسجد أدون شرفا وهل له العدول إلى مسجد أشرف اشكال أقربه الجواز فلو نذر أن يعتكف في المسجد الحرام لم يجز له أن يعتكف في غيره لأنه أشرفها ولو نذر أن يعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وآله جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام لأنه أفضل منه ولم يجز أن يعتكف في المسجد الأقصى لان مسجد النبي صلى الله عليه وآله أفضل منه وقال قوم ان مسجد النبي صلى الله عليه وآله أفضل من المسجد الحرام لان النبي عليه السلام إنما دفن في خير البقاع وقد نقله إليه تعالى من مكة إلى المدينة فدل على انها أفضل والمشهور ان المسجد الحرام أفضل لقوله عليه السلام صلوه في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وفى خبر اخر أنه قال عليه السلام صلاة في المسجد الحرام أفضل من مأة ألف صلاة فيما سواه فيدخل في عمومه مسجد النبي صلى الله عليه وآله فتكون الصلاة فيه أفضل من مائة ألف صلاة فيما سوى مسجد النبي صلى الله عليه وآله ولو نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى جاز له أن يعتكف في المسجدين الآخرين لأنهما أفضل منه وقد روى العامة ان رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله يوم الفتح والنبي عليه السلم في مجلس قريبا من المقام فسلم على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال يا نبي الله انى نذرت لئن فتح الله للنبي عليه السلام والمؤمنين مكة لأصلين في بيت المقدس وانى وجدت رجلا من أهل الشام ههنا في قريش مقبلا معي ومدبرا فقال النبي صلى الله عليه وآله ههنا فصل (أفضل) فقال الرجل قوله هذا ثلاث مرات كل ذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله ههنا فصل (أفضل خ ل) قال الرابعة مقالته هذه فقال النبي صلى الله عليه وآله إذهب فصل فيه فوالذي بعث محمدا بالحق لو صليت ههنا لقضى عنك ذلك صلاة في البيت المقدس مسألة قد بينا ان الأقوى ان الاعتكاف انما يجوز في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة ومسجد البصرة ولو نذر أن يعتكف في غير هذه الأربعة لم يجز وعلى القول الآخر لعلمائنا بجواز الاعتكاف في غيرها لو نذر ان يعتكف في غيرها انعقد نذره وتعين ما عينه وهو أحد قولي الشافعي وعلى القول الآخر بعدم التعيين لو شرع في الاعتكاف في مسجد لم يكن له الخروج منه ولا الانتقال إلى مسجد اخر لكن لو كان ينتقل في خروجه لقضاء الحاجة إلى مسجد اخر على مثل تلك المسافة أو أقرب كان له ذلك في أصح وجهي الشافعية ولو أوجب على نفسه اعتكافا في مسجد فانهدم اعتكف في موضع منه فإن لم يتمكن خرج فإذا بنى المسجد رجع وبنى على اعتكافه ومن لم يوجب التعيين بالنذر له ان يخرج إلى أين شاء من المساجد ليعتكف فيه مسألة لو نذر أن يعتكف في زمان معين تعين عليه حتى أنه لا يجوز له التقدم عليه ولا التأخر عنه فان أخر كان قضاء وهو أصح وجهي الشافعية والثاني لا يتعين الزمان بالتعيين كما لا يتعين في نذر الصلاة والصدقة والحكم في الأصل ممنوع والوجهان عندهم جاريان فيما إذا عين الزمان للصوم والحق عندنا انه يتعين أيضا مسألة إذا نذر اعتكافا مطلقا وجب عليه ان يعتكف ثلاثة أيام لان الاعتكاف لا يصح في أقل من ثلاثة خلافا للشافعي فإنه جوزه لحظة ويبرأ بها من عهدة النذر عنده لكن يستحب ان يعتكف يوما وان نذر الاعتكاف مدة من الزمان فاما أن يطلق تلك المدة أو يعينها فإن اطلق تلك المدة فإما ان يشترط فيها التتابع كأن يقول لله على أن اعتكف ثلاثة أيام متتابعات أو لا يشترط فإن شرط لزم لأنه نذر في طاعة هي المسارعة إلى فعل الخير كما لو شرط التتابع في الصوم وان لم يشترط التتابع لم يلزمه إلا في ثلاثة فإذا نذر اعتكاف شهر أو عشرة أيام وجب عليه اعتكاف شهر بأن يعتكفه متتابعا أو متفرقا ثلاثة ثلاثة ولا يجب عليه تتابع الشهر بأسره كما في الصوم لأنه معنى يصح فيه التفريق فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر كالصيام وهو أحد قولي الشافعي واحدى الروايتين عن أحمد والثاني انه يلزمه التتابع وهو قول أبي حنيفة ومالك واحمد في الرواية الأخرى لأنه معنى يحصل في الليل والنهار فإذا أطلقه اقتضى التتابع كما لو حلف لا يكلم زيدا شهرا وكمدة الايلاء والعدة والوجه الأول لأصالة براءة الذمة
(٢٨٨)