غير واجب بدون النذر وشبهه فإذا تبرع به كان ندبا إجماعا فإذا شرع في الاعتكاف فلعلمائنا في صيرورته واجبا حينئذ أقوال ثلاثة أحدها قال الشيخ (ره) في بعض مصنفاته أنه يصير واجبا بالنية والدخول فيه وبه قال أبو الصلاح من علمائنا وهو قول مالك وأبي حنيفة لان الاخبار دلت على وجوب الكفارة بإفساد الاعتكاف بجماع وغيره على الاطلاق ولو لم ينقلب واجبا لم يجب الكفارة وبالقياس على الحج والعمرة والاخبار محمولة على الاعتكاف الواجب وأيضا لا استبعاد في وجوب الكفارة في هتك الاعتكاف المستحب والفرق احتياج الحج والعمرة إلى إنفاق مال كثير ففي إبطالهما تضييع للمال وهو منهى عنه الثاني أنه ان اعتكف يومين وجب الثالث وان اعتكف أقل لم يجب الاكمال وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية ومذهب ابن الجنيد وابن البراج لقول الباقر عليه السلام إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ اعتكافه وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له ان يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضى ثلاثة أيام وفي طريقها علي بن فضال وفيه ضعف الثالث ان له إبطاله مطلقا وفسخه متى شاء سواء في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث اختاره السيد المرتضى وابن إدريس وبه قال الشافعي واحمد وهو الأقوى لأصالة بقاء ما كان على ما كان وبرائة الذمة مسألة لا يجب الاعتكاف بمجرد النية وهو قول عامة أهل العلم للأصل وقال من لا يعتد به أنه يجب الاعتكاف بمجرد العزم عليه لان عايشة روت ان النبي صلى الله عليه وآله كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فاستاذنته عايشة فأذن لها فأمرت ببنائها فضرب وسألت حفصة ان تستأذن لها رسول الله صلى الله عليه وآله ففعلت فأمرت ببنائها فضرب فلما رأت ذلك زينب بنت جحش امرت ببنائها فضرب قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى الصبح ودخل معتكفه فلما صلى الصبح انصرف فبصر بالأبنية فقال ما هذا فقالوا بناء عايشة وحفصة وزينب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله البرار دين ما أنا بمعتكف فرجع فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال ولأنها عبادة تتعلق بالمسجد فلزمت بالدخول فيها كالحج و الرواية تدل على النقيض لان تركه دليل على عدم الوجوب بالعزم والفرق بينه وبين الحج قد سبق مسألة لو اعتكف ثلاثة أيام كان بالخيار إن شاء زاد عليها وإن شاء لم يزد وإن زاد يوما جاز له عدم الزيادة على الأربعة فان زاد على الثلاثة يومين قال الشيخ ره يجب الاكمال ستة فأوجب السادس وبه قال ابن الجنيد وأبو الصلاح لقول الباقر عليه السلام من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار وأن شاء ازداد أياما أخر وأن شاء خرج من المسجد فان أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يستكمل ثلاثة اخر وفي طريقها علي ابن فضال والأصل براءة الذمة مسألة لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه حالت اعتكافه إلا لضرورة باجماع العلماء كافة لما رواه العامة عن عايشة انها قالت السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لابد له منه وعنها ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا اعتكف يدنى إلى رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام لا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجة ولان الاعتكاف هو اللبث فإذا خرج بطل الاسم والممنوع إنما هو الخروج بجميع بدنه فلو اخرج يده أو رأسه لم يبطل اعتكافه لما تتقدم في رواية عايشة ولو اخرج إحدى رجليه أو كليتهما وهو قاعد ما دلهما فكذلك وإن اعتمد عليهما فهو خارج والممنوع منه الخروج عن كل المسجد فلو صعد على المنارة فإن كانت في وسط المسجد أو بابها فيه أو في رجته وهي تعد من المسجد جاز سواء كان الصعود للاذان أو لغيره كما يصعد على سطح المسجد ودخول بيت منه وإن كان الباب خارج المسجد لم يجز لأنها لا تعد حينئذ من المسجد ولا يصح الاعتكاف فيها وهل للمؤذن صعودها للاذان الأقرب المنع وهو أحد وجهي الشافعية لأنه لا ضرورة إليه لامكان الاذان على سطح المسجد فصار كما لو صعدها لغير الاذان (أو خرج لغير ضرورة صح) أو خرج إلى الأمير ليعلمه الصلاة والثاني الجواز لأنها مبنية للمسجد معدودة من توابعه ولأنه قد اعتاد صعودها للاذان وقد استأنس الناس بصوته فيعذر فيه ويجعل زمان الاذان مستثنى عن اعتكافه مسألة يجوز للمعتكف الخروج عن المسجد لقضاء الحاجة باجماع العلماء قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن للمعتكف ان يخرج من معتكفه للغايط والبول ولان هذا مما لا بد منه ولا يمكن فعله في المسجد فلو بطل الاعتكاف بخروجه إليه لم يصح لاحد أن يعتكف ولان النبي صلى الله عليه وآله كان يعتكف ومن المعلوم انه كان يخرج لقضاء الحاجة ولما رواه العامة عن عايشة إن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان ومن طريق الخاصة ما رواه داود بن سرحان قال كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت للصادق عليه السلام انى أريد ان اعتكف فماذا أقول وماذا أفرض على نفسي قال لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لابد منها ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك وفي معناه الخروج للاغتسال من الاحتلام ولو كان إلى جانب المسجد سقاية خرج إليها ولا يجوز التجاوز إلا أن يجد غضاضة بأن يكون من أهل الاحتشام فيحصل له مشقة بدخولها فيجوز له العدول إلى منزله وإن كان أبعد ولو بذل له صديق منزله وهو قريب من المسجد لقضاء الحاجة لم تلزمه الإجابة لما فيه من المشقة بالاحتشام بل يمضى إلى منزل نفسه سواء كان منزله قريبا أو بعيدا بعدا متفاحشا أو غير متفاحش إلا أن يخرج بالبعد عن مسمى الاعتكاف ولو كان له منزلان أحدهما أقرب تعين عليه القصد إليه خلافا لبعض الشافعية حيث سوغ له المضي إلى الابعد ولو احتلم وجب عليه المبادرة بالخروج عن المسجد للغسل لان الاستيطان حرام مسألة يجوز للمعتكف الخروج لشراء المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به بالاجماع لان الحاجة تدعوا إليه والضرورة ثابتة فيه فجاز كغيره من الضروريات وهل يجوز الخروج للاكل خارج المسجد اشكال أقربه ذلك إن كان فيه غضاضة ويكون من أهل الاحتشام وإلا فلا وللشافعية وجهان هذا أحدهما لأنه قد يستحيى منه ويشق عليه والثاني انه لا يجوز وهو قول الشافعي في الام لان الاكل في المسجد تمكن ولو عطش ولم يجد الماء في المسجد فهو معذور في الخروج ولو وجده فالأقرب منعه من الخروج للشرب وهو أصح وجهي الشافعية لان فعله في المسجد ممكن ولا يستحيى منه ولا يعد تركه من المروة بخلاف الاكل فيه ولو فجأه القئ خرج من المسجد ليتقيأ خارجه صيانة للمسجد وأهله عن الاستقذار وكل ما لا بد منه ولا يمكن فعله في المسجد فله الخروج إليه ولا يفسد اعتكافه وهو على اعتكافه ما لم يطل المكث وهو يخرج به عن اسم المعتكف مسألة لو اعتكف في أحد المساجد الأربعة وأقيمت الجمعة في غيره لضرورة أو اعتكف في غيرها عند من سوغه خرج لأدائها ولم يبطل اعتكافه عند علمائنا وبه قال أبو حنيفة واحمد لأنه خرج لأداء واجب عليه فلا يبطل به اعتكافه كما لو خرج لأداء الشهادة أو لانقاذ غريق أو إطفاء حريق وقال الشافعي يجب ان يخرج لصلاة الجمعة وفي بطلان اعتكافه قولان أحدهما لا يبطل كما اخترناه والثاني انه يبطل وبه قال مالك بسهولة الاحتراز عن هذا الخروج بأن يعتكف في الجامع وعلى هذا لو كان اعتكافه المنذور أقل من أسبوع ابتداء من أول الأسبوع أين شاء من المساجد وفي الجامع متى شاء وإن كان أكثر من أسبوع فيجب ان يبتدي به في الجامع حتى لا يحتاج إلى الخروج للجمعة فإن كان قد عين غير الجامع وقلنا بالتعيين فلا يخرج عن نذره إلا بأن يمرض فتسقط عنه الجمعة أو بأن يتركها عاصيا ويدوم على اعتكافه وهذا يستلزم الجمع بين الضدين في الحكمين واحتج على بطلان الاعتكاف بأنه أمكنه أو يعرضه بحيث لا يخرج
(٢٩٠)