تعظيم الله ونسبوا ذلك إلى الله فأثنت عليهم الملائكة فإنها مع هذه الحال لم تجرح الملائكة وتأدبت معها حيث لم تتعرض للطعن عليها بما صدر منها في حق أبيها آدم عليه السلام واعتذرت عن الملائكة لإيثارهم جناب الحق وإصابتهم العلم فإنه وقع ما قالوه في بني آدم لا شك من الفساد وسفك الدماء ولهذا سر معلوم وأما ثناء الأنبياء والرسل عليهم السلام فلكونهم سلموا لهم ما ادعوه أنه لهم من النبوة والرسالة وآمنوا بهم وما توقفوا مع كونهم على أحوالهم من أجزاء النبوة قد اتصفوا بها ولكن مع هذا لم يتسموا بأنبياء ولا برسل وأخلصوا في اتباع آثارهم قدما بقدم كما روى عن الإمام أحمد بن حنبل المتبع المقتدى سيد وقته في تركه أكل البطيخ لأنه ما ثبت عنده كيف كان يأكله رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على قوة تباعه كيفيات أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته وجميع أفعاله وأحواله وإنما عرف هذا منه لأنه كان في مقام الوراثة في التبليغ والإرشاد بالقول والعمل والحال لأن ذلك أمكن في نفس السامع فهو وأمثاله حفاظ الشريعة على هذه الأمة وأما ثناء الحيوان والنبات والجماد عليهم فإن هؤلاء الأصناف عرفوا الحركات التي تسمى عبثا من التي لا تسمى عبثا فكل من تحرك فيهم بحركة تكون عبثا عند المتحرك بها لا عند المحرك يعلم الناظر منهم المشاهد لتلك الحركة البعثية أنه صاحب غفلة عن الله ورأت هذه الطائفة أنها لا تتحرك في حيوان ولا نبات ولا جماد بحركة تكون عبثا ويلحق بهذا الباب صيد الملوك ومن لا حاجة له بذلك إلا للفرجة واللهو واللعب فأثنى من ذكرناه من هؤلاء الأصناف على هذه الطائفة فالله يقول وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما بإمهالكم حيث لم يؤاخذكم سريعا بما رددتم من ذلك غفورا حيث ستر عنكم تسبيح هؤلاء فلم تفقهوه وقال تعالى في حال من مات ممقوتا عند الله فما بكت عليهم السماء والأرض فوصف السماء والأرض بالبكاء على أهل الله ولا يشك مؤمن في كل شئ أنه مسبح وكل مسبح حي عقلا وورد أن العصفور يأتي يوم القيامة فيقول يا رب سل هذا لم قتلني عبثا وكذلك من يقطع شجرة لغير منفعة أو ينقل حجرا لغير فائدة تعود على أحد من خلق الله فلما أعطى الله هذه المعارف لهؤلاء الأصناف لذلك وصفتها بالثناء على هؤلاء الرجال وعرفت ذلك منهم كشفا حسيا مثل ما كان للصحابة سماع تسبيح الحصاء وتسبيح الطعام لأنهم ليس بينهم وبين الحركة العبثية دخول بل يجتنبون ذلك جملة واحدة ولما جهل أكثر الثقلين هذه العلوم لذلك لا يعرفون مراتب هؤلاء الرجال فلا يمدحونهم ولا يتعرضون إليهم ولهذا أخبر تعالى أن كل شئ في العالم يسجد لله تعالى من غير تبعيض إلا الناس فقال ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ولم يبعض وكثير من الناس فبعض فإن فهمت ما ذكرناه لك من صفة أصحاب هذا المقام وسلكت طريقهم كنت من المفلحين الفائزين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الثالث والعشرون (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الرابع والأربعون في البهاليل وأئمتهم في البهللة) إذا كنت في طاعة راغبا * فلا تكسها حلة الآجل وكن كالبهاليل في حالهم * مع الوقت يجرون كالعاقل وحوصل من السنبل الحاصل * ولا تصبرن إلى قابل فحوصلة الرزق قد هيئت * ليحصل ما ليس بالحاصل ولا تبكين على فائت * يفتك الذي هو في العاجل وسوف فلا تلتفت حكمها * ولا السين وارحل مع الراحل عساك إذا كنت ذا عزمة * ومت حصلت على طائل وقل للذي لم يزل وانيا * تخبطت في شرك الحابل
(٢٤٧)