تكبيرة الإحرام فقط ينبه بها نفسه أنها ممنوعة محجور عليها التصرف فيما يخرجها عن هذه العبادة المختصة المسماة صلاة وقد انحصرت المذاهب في الاعتبار والحمد لله (فصل بل وصل في لفظ التكبير في الصلاة) اختلف علماء الشريعة في صفة لفظ التكبير في الصلاة فمن قائل لا يجزئ إلا لفظة الله أكبر ومن قائل يجزئ بغير الصيغة ولكن فيه لا بد من حروف التكبير وهي الكاف والباء والراء ومن قائل يجوز التكبير على المعنى كالأجل والأعظم ومذهبنا في ذلك أن اتباع السنة أولى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صلوا كما رأيتموني أصلي وما نقل إلينا قط إلا هذا اللفظ الله أكبر تواتر ذلك عندنا الاعتبار في ذلك ما عين الشرع لفظا في عبادة نطقية دون غيره من الألفاظ مما في معناه إلا وقد أراد ما يمتاز به ذلك اللفظ من طريق المعنى عند العلماء بالله عما يقع فيه الاشتراك فالأولى بنا مراعاة الاقتداء ومراعاة المعنى الذي يقع به الامتياز علمنا ذلك المعنى أو جهلناه فإن علمناه فوجب أن لا نعدل عنه وإن لم نعلمه فنأتي به على علم الذي شرعه فيه ولا نتحكم بسياق لفظ آخر والله قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة فقال له قل رب زدني علما والعالم إذا كان حكيما لا يعدل إلى أمر دون غيره مما يقارب معناه إلا لخصوص وصف فيعتبر ذلك ولا يعدل عنه فعلا كان أو قولا فإنه لا بد لمن يعدل عنه أن يحرم فائدة ذلك الاختصاص ويتصف بالمخالفة بلا شك (فصل بل وصل في التوجيه في الصلاة) فمن قائل بوجوبه ومن قائل بعدم وجوبه وصورته أن يقول بعد التكبير وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين الحديث ومن قائل له أن يسبح وإن لم يقل هذا اللفظ بعينه ومن قائل يجمع بينهما بين التسبيح والتوجيه وأما الذي أذهب إليه فهو التوجيه في صلاة الليل في التهجد لا في الفرائض وأما في الفرائض فينبغي أن يقول بين التكبير والقراءة في نفسه لا يسمع غيره إذا كبر اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد هذا هو الذي اختاره وبه وردت السنة ومذهبنا الوقوف عندها والعمل بها وإن لم نوجب ذلك إذ لم يوجبه الله ولكن الاتباع أولي الاعتبار في ذلك عند أهل الله التوجيه في حال من حال إلى حال من الله بالله إلى الله مع الله في الله لله على الله من الله ابتداء بالله إعانة وتأييد إلى الله غاية وانتهاء مع الله صحبة ومراقبة في الله رغبة لله قربة من أجله على الله توكلا واعتمادا ثم يعتبر ألفاظ ما ورد في التوجيه وكذلك تعتبر ما ذكرناه من الدعاء بين التكبير والقراءة والماء الحياة فإنه جعل من الماء كل شئ حي أي بما تحيي به قلبي بذكرك وجوارحي بطاعتك حتى لا تتصرف إلا فيها فإنها شاهد مصدق يوم القيامة لمن تشهد عليه أو له كما ورد في القرآن العزيز من شهادة الجوارح واعتبر البرد من برد اليقين كبرد الأنامل الوارد في الخبر الصحيح فحصل به من العلم على يقين فيبرد به ما يجده العبد المصطفى من حرارة الشوق إلى المراتب العلى عند المسبح الأعلى من العلم بالله والثلج من ثلج القلب الذي هو سروره بما أكرمه الله به من تجليه وشهوده (فصل بل وصل في سكتات المصلي في الصلاة) وهي بعد ما يكبر تكبيرة الإحرام وقبل الشروع في القراءة هذه السكتة الأولى وأما السكتة الثانية فعند الفراغ من قراءة الفاتحة وأما السكتة الثالثة فبعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع سوى السكتات التي هي الوقوف على كل آية ليتراد إليه نفسه أو ليتدبر فيما قرأ وهذه السكتة الثالثة إنما هي لمن يقرأ قرآنا سوى الفاتحة بعد الفاتحة فإن اكتفى بالفاتحة فما هما إلا سكتتان فاعلم اعتبار أهل الله في ذلك من الناس من أنكر سكتات الإمام ومنهم من استحبها ولا شك أن السكتات هي السنة فأما اعتبارها فالله يقول قسمت الصلاة بيني وبين عبدي بنصفين وقال صلى الله عليه وسلم اعبد الله كأنك تراه فالمصلي يتأهب لمناجاة ربه ويجعله نصب عينيه في قبلته وكذلك هو الأمر في نفسه لكن من غير تحديد
(٤١٢)