الباطن في ذلك) وأما حكم الباطن في ذلك إحضار النية للذي انتقضت طهارته الشرعية لشهوة أغفلته عن رؤية الحق عند استحكامها فإذا أراد أن ينام نوى في النوم إعطاء حق العين فتلك طهارة الجنب إذا أراد أن ينام فإن الجنابة نقضت طهارته وهي الغربة عن موطن الايمان الذي كان يجب عليه الحضور معه لولا استحكام سلطان الشهوة الذي أفناه عن نفسه وعن كل ما سواه وكذلك إذا أراد أن يعاود الجماع ينوي الولد المؤمن لكثرة أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليكثر الذاكرين الله بهذا الجماع وكذلك إذا أراد أن يأكل أو يشرب ينوي إعطاء النفس حقها وهذه النية فيما ذكرناه هي طهارة لكل ذلك (باب الوضوء للطواف) اعلم أن الوضوء للطواف اشترطه قوم ولم يشترطه قوم وبه أقول وإن كان الطواف بالطهارة أفضل (وصل حكم الباطن في ذلك) وذلك أنه من رأى أن الطواف بالبيت لكونه منسوبا إلى الله كالعرش المنسوب إلى استواء الرحمن ورأى الملائكة حافين به وهم المطهرون الكرام البررة اشترط الوضوء في الطواف بكعبة قلبه الذي وسع الحق جل جلاله يقول تعالى ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي وهو نزوله في تجليه تعالى إلى قلب عبده وقد بيناه في مواقع النجوم في منزل التنزل الذاتي من فلك القلب ومن رأى أن الحق لا يتقيد بما أضاف إليه وإنما قصد بذلك التشريف منفعة المكلف لم يشترط الطهارة للطواف وأما في القلب فعدم اشتراط الطهارة في وقت نظر العقل في إثبات الشرع في المعرفة الأولى إما ابتداء وإما إذا نزل إليها بالتعليم لمن أراد أن يعرف الله بالأدلة النظرية (باب الوضوء لقراءة القرآن) اختلف العلماء في الوضوء لقراءة القرآن فمن قائل إنه تجوز قراءة القرآن لمن هو على غير طهارة وبه أقول ومن قائل لا يجوز أن يقرأ القرآن إلا على وضوء وهو الأفضل بلا خلاف وكذلك كل ما ذكرناه مما يجوز فعله عندنا وعند غيرنا على غير وضوء إن الأفضل أن لا يفعل شيئا من ذلك إلا على وضوء (وصل حكم الباطن في ذلك) أما حكم الباطن في ذلك فإن قارئ القرآن نائب الحق سبحانه في الترجمة عنه بكلامه ومن صفاته سبحانه القدوس ومعناه الطاهر فينبغي للعبد إذا ناب مناب الحق في كلامه بتلاوته أن يكون مقدسا أي طاهرا في ظاهره بالوضوء المشروع وفي باطنه بالإيمان والحضور والتدبر وشبه ذلك وأن يقدم تلاوة الحق عليه ابتداء ثم يتلوه مترجما عن الحق ما تلاه عليه وكلمه به فأما يترجم في تلاوته تلك للحاضر عنده ليذكره وإما أن يترجم بلسانه ليسمعه فيحصل الآخر للسمع كما لو كان المصحف بيده يتلو فيه أخذ البصر حقه من النظر إلى كلام الله من حيث ما هو مكتوب كما أخذه السمع من حيث ما هو اللسان ناطق به مصوت وكذلك لو ألقى المصحف في حجره ومشى بيده على الحروف لأخذت هذه الأعضاء حظها من ذلك وهكذا كان يتلو شيخنا أبو عبد الله ابن المجاهد وأبو عبد الله ابن قيسوم وأبو الحجاج الشربلى لم أر من أشياخنا من يحافظ على مثل هذه التلاوة إلا هؤلاء الثلاثة (أبواب الاغتسال أحكام طهارة الغسل) هذا الغسل المشروع في هذا الباب هو تعميم الطهارة بالماء لجميع ظاهر البدن بغير خلاف وفيما يمكن إيصال الماء إليه من البدن وإن لم يكن ظاهرا بخلاف كداخل الفم وما أشبهه وسيأتي ذكره وذكر أسباب هذه الطهارة ومنها واجب وسنة ومستحب (الاعتبار في ذلك) فأما اعتبار هذه الطهارة تعميم طهارة النفس من كل ما أمرت بالطهارة منه وبه من الأعمال ظاهرا مما يتعلق بالأعضاء وباطنا بما يتعلق بالنفس من مصارف صفاتها لا من صفاتها وإنما قلنا من مصارف صفاتها فإن صفاتها لازمة لها في أصل خلقتها لا تنفك عنها حتى إن بعض أصحابنا قد جعلها عين ذاتها وأنها صفات نفسية لها كالحرص والبخل والنميمة وكل وصف مذموم فمتعلق الذم الذي أمرنا بالطهارة منه ما هو عين الصفة وإنما هو عين المصرف فالإنسان لا يتطهر من الحرص وإنما يتطهر من صرف الحرص على جمع حطام الدنيا وحرامها فيتطهر بالحرص عينه على حكم ما تطهر منه بالمصرف أيضا وهو أن يتطهر بالحرص على طلب العلم وتحصيل أسباب الخير
(٣٥٨)