إلى جناب الحق ما يدخل الأزل من التقديرات الزمانية فيه بتعيين توجهات الحق لإيجاد الكائنات في الأزمان المختلفات التي يصحبها القبل والبعد والآن لله الأمر من قبل ومن بعد فاعلم ذلك فإنه دقيق جدا فمن اغتسل لصلاة الجمعة فقد جمع بين الغسل للحال والزمان ومن اغتسل ليوم الجمعة بعد الصلاة فقد أفرد وهو قدح في مسمى الجمعة فالأظهر أنه مشروع في يوم الجمعة ولصلاة الجمعة وهو الأوجه وما يبعد أن يكون مقصود الشارع به ذلك (باب غسل المستحاضة وسيرد ونبين فيه مذهبنا) وأما اعتباره فالاستحاضة مرض والعبد مأمور بتصحيح عبادته لا يدخلها شئ من المرض فمهما اعتل في عبادة ما من عباداته تطهر من تلك العلة وأزالها حتى يعبد الله عبدا خالصا محضا لا تشوبه علة ولا مرض في عبادته ولا عبودته (باب الاغتسال من الحيض) الحيض ركضة شيطان فيجب الاغتسال منه قال تعالى إنه رجس من عمل الشيطان فيجب تطهير القلب من لمة الشيطان إذا نزلت به ومسه في باطنه وتطهيرها بلمة الملك والقصة البيضاء هي العلامة أو من بعض العلامات على عناية الله بهذا القلب حيث طرد عنه وأزال ركضة الشيطان فيستعمل لمة الملك عند ذلك وهو تطهير القلب وإن كنيت عن ذلك بالإصبعين وكلاهما رحمة فإنه أضافهما إلى الرحمن فلو لا رحم الله عبده بتلك اللمة الشيطانية ما حصل له ثواب مخالفته بالتبديل في العدول عنه إلى العمل بلمة الملك فله أجران فلهذا قلنا إنه أضافهما إلى الاسم الرحمن فإذا أزاغه جاهد نفسه أن لا يفعل ما أماله إليه فجوزي أجر المجاهد فإن عمل وتاب أثر الفعل بعد مجاهدة فساعد الشيطان عليه القدر السابق بالفعل فوقع منه الفعل ورأى أن ذلك من الشيطان مؤمنا بذلك مصدقا كما قال موسى عليه السلام إنه من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين وتاب عقيب وقوع الفعل وأعني بالتوبة هنا الندم فإنه معظم أركان التوبة وقد ورد أن الندم توبة كان له أجر شهيد لوقوع الفعل منه والشهيد حي ليس بميت وأي حياة أعظم أو أكمل من حياة القلوب مع الله في أي فعل كان فإن الحضور مع الايمان عند وقوع المخالفة يرد ذلك العمل حيا بحياة الحضور يستغفر له إلى يوم القيامة فهذا من عناية الاسم الرحمن الذي أضاف الإصبعين إليه فالشيطان يسعى في تضعيف الخير للعبد وهو لا يشعر فإن الحرص أعماه ويحور الوبال وإثم تلك المعصية عليه وهذا من مكر الله تعالى بإبليس فإنه لو علم أن الله يسعد العبد بتلك اللمة من الشيطان سعادة خاصة ما ألقى إليه شيئا من ذلك وهذا المكر الإلهي الذي مكر به في حق إبليس ما رأيت أحدا نبه عليه ولولا علمي بإبليس ومعرفتي بجهله وحرصه على التحريض على المخالفة ما نبهت على هذا لعلمي بأنه لولا هذا المانع لاجتنب لمة المخالفة فهذا هو الذي حملني على ذكرها لأن الشيطان لا يقف عندها لحجابه بحرصه على شقاوة العبد وجهله بأن الله يتوب على هذا العبد الخاص فإن كل ممكور به إنما يمكر الله به من حيث لا يشعر وقد يشعر بذلك الكر غير الممكور به (باب الاغتسال من المني الخارج على غير وجه اللذة) اختلف فيه فمن قائل بوجوبه ومن قائل لا يجب عليه غسل وبه أقول (وصل حكم الباطن فيه) اعتبار الجنابة الغربة والغربة لا تكون إلا بمفارقة الوطن وموطن الإنسان عبوديته فإذا فارق موطنه ودخل في حدود الربوبية فاتصف بوصف من أوصاف السيادة على أبناء موطنه وأمثاله ولم يجد لذة لذلك فما وفى صفة السيادة حقها فإن الكامل لذة كماله لا تقارنها لذة أصلا والابتهاج الكمالي لا يشبهه ابتهاج فلما لم يوف الصفة حقها تعين عليه الاغتسال وهو الاعتراف بما قصر به في حق تلك الصفة الإلهية فمن هنا أوجب الغسل من أوجبه على من خرج منه المني في اليقظة من غير التذاذ ومن رأى أن صفة الكمال التي تنبغي للواجب الوجود بنفسه إذا اتصف بها العبد في غربته لم يكن لها حكم فيه لأنه ليس بمحل لها لم يوجب عليه غسلا (باب الاغتسال من الماء يجده النائم إذا هو استيقظ ولا يذكر احتلاما) في مثل هذا بقي حكم قوله صلى الله عليه وسلم إنما الماء من الماء فهو مخصص ما هو منسوخ كما يراه بعضهم (وصل
(٣٦٢)