يؤيد قولنا إنه يريد بصوم السر من الشهر الجمعية تحضيضه وتحريضه على صوم سرر شعبان وأن يقضيه من فاته فإن شعبان من التفريق ولهذا قيل إنه ما سمي هذا الشهر بلفظ شعبان إلا لتفرق قبائل العرب فيه وكذا قال الله تعالى وجعلناكم شعوبا وقبائل فالشعوب في الأعاجم كالقبائل في العرب أي فرقكم شعوبا وميز قبيلة من قبيلة وسميت المنية شعوبا لأنها تفرق بين الميت وأهله فكان صيام سرر شعبان آكد من صيام سرر غيره من الشهور لما فيه من التفريق خرج مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا قال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه وفي طريق أخرى أيضا المسلم عن ابن عمر هل صمت من سرر شعبان وفي هذا الفصل علوم وأسرار إلهية يعرفها من تحقق بما نبهنا عليه وأسعد الناس بذلك أهل الاعتبار من الذين يراعون تسيير الشمس والقمر لحفظ أوقات العبادات فإن معرفة منزلة القمر والشمس في ضرب المثل من أعظم الدلائل على العلم الإلهي الذي يختص بالكون والإمداد الرباني والحفظ لبقاء أعيان الكائنات وإن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أي حاضر فيما يلقى إليه المخبر فيمثله نصب عينيه فكأنه يشاهده فإنه خبر صدق جاء به صادق أمين جاء به صادق أمين * يخبر عن كل ما يكون في كل كون بكل وجه * من كل صعب وما يهون مما تراه القلوب كشفا * معنى وما تدرك العيون جاء به من رب الدار يعلمه بما أودع فيها من كل شئ مليح قال تعالى وكل شئ فصلناه تفصيلا ذلك لتعلموا إن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما (وصل في فصل في حكمة صوم أهل كل بلد برؤيتهم) خرج مسلم في صحيحه عن كريب إن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل على رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقلت رأيناه ليلة الجمعة فقال أنت رأيته فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقلت أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه فقال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدنك وقواك بلدك وإقليمك وعالمك رعيتك وأنت مخاطب بالتصرف فيهم بالقدر الذي حد لك الحق في شرعه وأنت الراعي المسؤول عنهم لا غيرك فإن الله ما كلف أحدا إلا بحاله ووسعه ما كلف أحدا بحال أحد فكل نفس بما كسبت رهينة وكل نفس تجادل عن نفسها وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه فإذا طلع هلال المعرفة في قلبك من الاسم الإلهي رمضان فقد دعاك في ذلك الطلوع إلى الاتصاف بما هو له وهو الصوم فأمرك بتقييد جوارحك كلها الظاهرة وتقييد قواك الباطنة وأمرك بقيام ليلة ورغبك فيه وهو المحافظة على غيبه وجعل لك فيه فطرا في أول الليل وأمرك بالتعجيل به وغذاء في آخره وأمرك بتأخير ذلك إلى أن يكون في التأخير بمنزلة من قال هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع وذلك لحكمة التحقق بالاسم الآخر في ليل رمضان كما كنت في يومه فإنك بين طرفي تحليل وتحريم فما خاطبك الحق إلا منك ولا خاطبك إلا بك وهكذا مع كل مكلف في العالم من ملك وجن وإنسان بل من كل مخلوق حال ذلك المخلوق ينزل الحكم عليه بصفة الكلام سواء ضم ذلك الكلام حروف هجاء أو لم تضمه هو عين الكلام الإلهي في العالم إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده ولقد أنطقني سبحانه في ذلك بما أنا ذاكره من الأبيات إن شاء الله تعالى ناداني الحق من سمائي * بغير حرف من الهجاء ثم دعاني من أرض كوني * بكل حرف من الهجاء وقال لي كله كلامي * فلا تعرج على سوائي
(٦٢٧)