عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه متعلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه (وصل في فصل من عين له صاحب هذا المال الذي بيده قبل أن يتصدق به عليه) إن من عباد الله من يكشف له فيما بيده من الرزق وهو ملك له إنه لفلان ولفلان ويرى أسماء أصحابه عليه ولكن على يده فإذا أعطى من هذه صفته صدقة هل تكتب له صدقة قلنا نعم تكتب له صدقة من حيث ما نسب الله الملك له وإن كوشف فلا يقدح فيه ذلك الكشف ألا ترى إلى المحتضر قد زال عنه اسم الملك وحجر عليه التصرف فيه وما أبيح له منه إلا الثلث وما فوق ذلك فلا يسمع له فيه كلام لأنه تكلم فيما لا يملك واعلم أن النفس قد جبلت على الشح قال تعالى وإذا مسه الخير منوعا وقال ومن يوق شح نفسه وسبب ذلك أنه ممكن وكل ممكن فقير بالأصالة إلى مرجح يرجح له وجوده على عدمه فالحاجة له ذاتية والإنسان ما دامت حياته مرتبطة بجسده فإن حاجته بين عينيه وفقره مشهود له وبه يأتيه اللعين في وعده فقال الشيطان يعدكم الفقر فلا يغلب نفسه ولا الشيطان إلا الشديد بالتوفيق الإلهي فإنه يقاتل نفسه والشيطان المساعد لها عليه ولهذا سماها الشارع صدقة لأنها تخرج عن شدة وقوة يقال رمح صدق أي قوي شديد فلو لم يأمل البقاء وتيقن بالفراق هان عليه إعطاء المال لأنه مأخوذ عنه بالقهر شاء أم أبي فمن طمع النفس أن تجود في تلك الحالة لعل تحصل بذلك في موضع آخر قدر ما فارقته كل ذلك من حرصها فلم تجد مثل هذه النفس عن كرم ولا وقاها الله شحها ذكر مسلم في ذلك عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا قال أما وأبيك لتنبأنه أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا وكذا وقد كان لفلان فينبغي لمن لم يقه الله شح نفسه وقد وصل إلى هذا الحد وارتفع عنه في تعيينه لفلان طائفة من ماله أن يكون ذلك صدقة فليجعل في نفسه عند تعيينه أنه مؤد أمانة وأن ذلك وقتها فيحشر مع الأمناء المؤدين أمانتهم لا مع المتصدقين ولا يخطر له خاطر الصدقة ببال إن أراد أن ينصح نفسه (وصل في فضل ضروب الملك والتمليك عند أهل الله) العارف يقول الله له هذا ملكك فيقبله منه بالأدب والعلم في ذلك أنه ملك استحقاق لمن يستحقه ومن هو حق له وملك أمانة لمن هو له بيده أمانة وملك وجود لمن هو موجود عنه فالأشياء كلها ملك لله وجودي وهي للعبد بحسب الحال فما لا بد له في نفس الأمر من المنفعة به على النفس فهو ملك استحقاق له وهو من الطعام والشراب ما يتغذى به في حين التغذي به مما يتغذى لا مما يفضل عنه ويخرج من سبيله وغير ذينك ومن الثياب ما يقيه من حر الهواء وبرده وأما ما عدا هذا القدر فهو بيده ملك أمانة لمن يدفع به أيضا ما دفع هو به عن نفسه مما ذكرناه فلا يخلو العارف إما أن يكون ممن كشف أسماء أصحاب الأشياء مكتوبة عليها فيمسكها لهم حتى بدفعها إليهم في الوقت الذي قدره الحكيم وعينه فيفرق ما بين ما هو له فيسميه ملك استحقاق لأن اسمه عليه وهو يستحقه وبين ما هو لغيره فيسميه ملك أمانة لأن اسم صاحبه عليه والكل بلسان الشرع ملك له في الحكم الظاهر أو يكون هذا العارف ممن لم يكشف له ذلك فلا يعرف على التعيين ما هو رزقه من الذي هو عنده فإذا كوشف فيعمل بحسب كشفه فإن الحكم للعلم في ذلك وإن لم يكاشف فالأولى به أن يخرج عن ماله كله صدقة لله ورزقه لا بد أن يأتيه ثقة بما عند الله إن كان قد بقي له عند الله ما يستحقه وإن لم يبق له عند الله شئ فلا ينفعه إمساك ما هو ملك له شرعا فإنه لا يستحقه كشفا في نفس الأمر وهو تارك له وهو غير محمود هذه أحوال العارفين وقد يخرج صاحب الكشف عن ماله كله عن كشفه لأنه يرى عليه اسم الغير فلا يستحق منه شيئا فيشبه بالصورة من خرج عن ماله كله من غير كشف فإن لم يكن عنده ثقة بالله فيذمه الشرع إن خرج عن كل ماله ثم بعد ذلك يسأل الناس الصدقة فمثل هذا لا تقبل صدقته كما قد ورد في ذلك في حديث النسائي في الرجل الذي تصدق عليه بثوبين ثم جاء رجل آخر يطلب أن يتصدق عليه أيضا وألقى هذا المتصدق عليه الأول أحد
(٥٨٠)