الله قد راعى حكم الظاهر في العموم فيتهيأ لقضاء الله النافذ فيه وهذا عندنا ليس بواقع أصلا وإن كان جائزا عقلا قيل لإبليس لم أبيت عن السجود قال يا رب لو أردت مني السجود لسجدت قال له متى علمت أني لم أرد منك السجود بعد حصول الإباية والمخالفة أو قبل ذلك فقال يا رب بعد وقوع الإباية علمت فقال بذلك آخذتك واعلم أن من عباد الله من يطلعهم الله على ما قدر عليهم من المعاصي فيسارعون إليها من شدة حيائهم من الله ليسارعوا بالتوبة وتبقي خلف ظهورهم ويستريحون من ظلمة شهودها فإذا تابوا رأوها عادت حسنة على قدر ما تكون ومثل هذا لا يقدح في منزلته عند الله فإن وقوع ذلك من مثل هؤلاء لم يكن انتهاكا للحرمة الإلهية ولكن بنفوذ القضاء والقدر فيهم وهو قوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فسبقت المغفرة وقوع الذنب فهذه الآية قد يكون لها في حق المعصوم وجه وهو أن يستر عن الذنوب فتطلبه الذنوب فلا تصل إليه فلا يقع منه ذنب أصلا فإنه مستور عنه أو يستر عن العقوبة فلا تلحقه فإن العقوبة ناظرة إلى محال الذنوب فيستر الله من شاء من عباده بمغفرته عن إيقاع العقوبة به والمؤاخذة عليه والأول أتم فتقدمت المغفرة من قبل وقوع الذنب فعلا كان أو تركا فلا يقع إلا حسنة يشهدها وحسنها ومن عباد الله من لم يأت في نفس الأمر إلا ما أبيح له أن يأتيه بالنظر إلى هذا الشخص على الخصوص وهذا هو الأقرب في أهل الله فإنه قد ثبت في الشرع أن الله يقول للعبد لحالة خاصة افعل ما شئت فقد غفرت لك فهذا هو المباح ومن أتى مباحا لم يؤاخذه الله به وإن كان في العموم في الظاهر معصية فما هو عند الشرع في حق هذا الشخص معصية ومن هذا القبيل هي معاصي أهل البيت عند الله قال عليه السلام في أهل بدر وما يدريكم لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم وفي الحديث الثابت أن عبدا أذنب ذنبا فيقول رب اغفر لي فيقول الله أذنب عبدي ذنبا فعلم إن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب إلى أن قال في الرابعة أو في الثالثة افعل ما شئت فقد غفرت لك فأباح له جميع ما كان قد حجره عليه حتى لا يفعل إلا ما أبيح له فعله فلا يجري عليه عند الله لسان ذنب وإن كنا لجهلنا بمن هذه صفته وهذا حكمه عند الله أن نعرفه فلا يقدح ذلك في منزلته عند الله فمن هذه حالته ما فعل إلا ما أبيح له فعله أو تركه فإن الحكم يترتب على الأحوال فحال أهل الكشف على اختلاف أحوالهم ما هو حال من ستر عنه حاله فمن سوى بينهما فقد تعدى فيما حكم به ألا ترى المضطر ما حرمت الميتة عليه قط متى وجد الاضطرار وغير المضطر ما أحلت له الميتة قط هذا ظاهر الشرع فأحكام الشرائع على الأحوال ونحن فيما جهلنا حاله أن نحسن الظن به ما وجدنا لذلك سبيلا (وصل في فصل من أفطر متعمدا في قضاء رمضان) فأكثر العلماء على أنه لا كفارة عليه وإليه أذهب وعليه القضاء وقال بعضهم عليه قضاء يومين ولصاحب هذا القول وجه دقيق خفي أداه إلى هذا القول وهو أنه مخير في القضاء في ذلك اليوم فاختار القضاء ثم بدا له فأفطر ولو كان متنفلا أوجبنا عليه بالشروع قضاء ذلك اليوم فهذا هو اليوم الواحد واليوم الآخر يوم رمضان الذي عليه فما قصر في نظره صاحب هذا القول وقال قتادة عليه القضاء والكفارة (الاعتبار) من كان مشهده الاسم الإلهي رمضان في حال القضاء كان حكمه حكم الأداء وحكم الأداء فيمن أفطر متعمدا في رمضان قد تقدم الكلام فيه وما فيه من الخلاف فهو بحسب ما هو عنده فيجري على ذلك الأسلوب فيه وفي اعتباره ومن لم يكن مشهده الاسم الإلهي الذي يخص شهره الذي أوقع فيه القضاء لا شهر رمضان ولا اسم رمضان بل مشهده الاسم الذي يحكم عليه بالإمساك فلا يكفر ولكن فيمن كان مذهبه أن يكفر في شهر رمضان وفي قوله تعالى فعدة من أيام أخر كفاية فإنه قد سماها أخر فما هي أيام رمضان وإنما هي أيام صوم على النكرة أي يوم شاء ولا يسمى يوما إلا بكماله فإذا لم يكمل في حقه فليس بيوم صومه الأسماء التي للشهور القمرية رمضان لشهر رمضان الرفيع لشوال الرحمن لذي قعدة المريد لذي حجة المحرم للمحرم المخلي لصفر المحي لربيع الأول المعيد لربيع الآخر الممسك لجمادى الأولى الرب بمعنى الثابت لجمادى الآخرة العظيم لرجب الفاصل والحاكم لشعبان وما في معنى كل اسم من هذه الأسماء الإلهية
(٦٢٢)