(وصل في فضل الحبوب والتمر) فقد عرفت أيضا ما تجب الزكاة فيه من ذلك بالاتفاق (الاعتبار في ذلك) النفس النباتية وهي التي تنمي بالغذاء فزكاتها في الإنسان بالصوم ولكن له شرط في طريق الله وهو أن الصائم إنما يمسك عن الأكل بالنهار فليأخذ ما كان يستحق أن يأكل بالنهار ويتصدق به ليخرج بذلك من البخل فإذا لم يفعل ذلك عندنا واستوفى في عشائه ما فاته بالنهار فما أمسك وبهذا ينفصل صوم خواص أهل الله عن صوم العامة وما تسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رحمة بالعامة حتى يجدوا ما يتأسوا به فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان مواصلا فليواصل حتى السحر مع أنه رغب في تعجيل الفطر وتأخير السحور قال تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وهذا الاعتبار فيما يزكى من الحبوب وبالله التوفيق (وصل) وأما التمر فهو أيضا كما قلنا الزكاة فيه بالاتفاق وقد تقدم ذلك (وأما اعتبار التمر في الزكاة) فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل النخلة عمة لنا وشبهها بالمؤمن حين سأل الناس عنها ووقع الناس في شجر البوادي ووقع عند عبد الله بن عمر أنها النخلة أصاب ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهذا الحديث يحتج على إباحة الحزورات التي تستعملها الناس فكما إن التمر تجب فيه الزكاة شرعا كذلك المؤمن لما شارك الحق في هذا الاسم تعين للحق فيه حق كما تعين في جميع الأسماء الحسنى يسمى ذلك الحق زكاة فيزكي المؤمن هذه النسبة إليه بالصدق في جميع أقواله وأفعاله وأحواله وإعطاء الأمان منه لكل خائف من جهته فإذا صدق في ذلك كله صدقه الله تعالى لأنه لا يصدق سبحانه إلا الصادق ولا يصدقه تعالى إلا من اسمه المؤمن لا غير فصدق العبد رد لاسم الله المؤمن عليه كرد صورة الناظر في المرآة على الناظر ليصدقه سبحانه فيما صدق فيه هذا العبد فهذا زكاته من نسبة الايمان إليه فأعطى حق الله من إيمانه بما صدق فيه من أقواله وأفعاله وأحواله وتمت أصناف ما يزكى من الأموال المتفق عليها ويلحق بها ما اختلف فيه فإنه لا يخلو أن يكون ما اختلف فيه نباتا أو حيوانا أو معدنا وقد بينا ذلك في المتفق عليه فليحكم في المختلف فيه بذلك الحكم وليعتبر فيه ما يليق بذلك الصنف حتى لا يطول الكلام ومذهبنا في هذا الكتاب الاقتصار والاختصار جهد الطاقة فإن الكتاب كبير يحتوي على ما لا بد منه في طريق الله من الأمهات والأصول فإن الأبناء والفروع تكاد لا تنحصر بل لا تنحصر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (وصل في فصل الخرص) الاتفاق على إجازة الخرص فيما يخرص من النخيل وغير ذلك وهو تقدير النصاب في ذلك حتى يقوم مقام الكيل (الاعتبار في ذلك) هو موضع خطر يحتاج إلى معرفة وتحقيق في المقادير وبصيرة حادة قال تعالى قتل الخراصون وهذه إشارة تلحق بالتفسير وإن لم نرد بها التفسير ولكن لتقارب المعنى والمكيل والموزون بمنزلة العلم والخرص بمنزلة غلبة الظن والأصل العلم ثم إنه إذا تعذر العلم حكمنا بغلبة الظن وذلك لا يكون إلا في الأحكام الشرعية أعني في فروع الأحكام فإن الحاكم لا يحكم إلا بشهادة الشاهد وهو ليس قاطعا فيما شهد به من ذلك والأصل في الحكم المشروع غلبة الظن حتى في السعادة عند الله فإن الله يقول أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا فحسن الظن بالله إذا غلب على العبد أنتج له السعادة كما إن سوء الظن بالله يرديه وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فما اختلف العلماء في حكم الحاكم بين الخصمين بغلبة الظن واختلفوا في حكمه بعلمه فكانت غلبة الظن في هذا النوع أصلا متفقا عليه يرجع إليه وكان العلم في ذلك مختلف فيه والحق تعالى وإن لم يكن عنده إلا العلم فإنه يحكم بالشهود ولهذا جاء قل رب احكم بالحق أي بما شرعت لي وأرسلتني به وفي هذا الطريق معرفة الله بالعقل بطريق الخرص ولهذا تقبل الشبهة القادحة في الأدلة ومعرفة الله من طريق الشرع المتواتر مقطوع بها لا تقدح فيها شبهة عند المؤمن أصلا وإن جهلت النسبة فالعلم بالله من جهة الشرع وهو تعريف الحق عباده بما هو عليه فإنه أعلم بنفسه من عباده وبه فإن العلم به منه أن يعلم أنه جامع بين التنزيه والتشبيه وهذا في الأدلة النظرية غير سائغ أعني الجمع بين الضدين في المحكوم عليه ليس ذلك إلا هنا خاصة فلا يحكم عليه خلقه والعقل ونظره وفكره من خلقه فكلامه في موجدة بأنه ليس كذا أو هو كذا خرص بلا شك
(٥٩٧)