الكوراني كان بالجسر الأبيض رأيته وكان على هذا القدم وكذلك مسعود الحبشي رأيته بدمشق ممتزجا بين القبض والبسط الغالب عليه البهت وإن كان وارد لطف بسطهم رأيت من هذا الصنف جماعة كأبي الحجاج الغليري وأبي الحسن علي السلاوي والناس لا يعرفون ما ذهب بعقولهم شغلهم ما تجلى لهم عن تدبير نفوسهم فسخر الله لهم الخلق فهم مشتغلون بمصالحهم عن طيب نفس فأشهى ما إلى الناس أن يأكل واحد من هؤلاء عنده أو يقبل منه ثوبا تسخيرا إلهيا فجمع الله لهم بين الراحتين حيث يأكلون ما يشتهون ولا يحاسبون ولا يسألون وجعل لهم القبول في قلوب الخلق والمحبة والعطف عليهم واستراحوا من التكليف ولهم عند الله أجر من أحسن عملا في مدة أعمارهم التي ذهبت بغير عمل لأنه سبحانه هو الذي أخذهم إليه فحفظ عليهم نتائج الأعمال التي لو لم يذهب بعقولهم لعملوها من الخير كمن بات نائما على وضوء وفي نفسه أن يقوم من الليل يصلي فيأخذ الله بروحه فينام حتى يصبح فإن الله يكتب له أجر من قام ليلة لأنه الذي حبسه عنده في حال نومه فالمخاطب بالتكليف منهم وهو روحهم غائب في شهود الحق الذي ظهر سلطانه فيهم فما لهم أذن واعية لحفظ السماع من خارج وتعقل ما جاء به ولقد ذقت هذا المقام ومر على وقت أؤدي فيه الصلوات الخمس إماما بالجماعة على ما قيل لي بإتمام الركوع والسجود وجميع أحوال الصلاة من أفعال وأقوال وأنا في هذا كله لا علم لي بذلك لا بالجماعة ولا بالمحل ولا بالحال ولا بشئ من عالم الحس لشهود غلب على غبت فيه عني وعن غيري وأخبرت أني كنت إذا دخل وقت الصلاة أقيم الصلاة وأصلي بالناس فكان حالي كالحركات الواقعة من النائم ولا علم له بذلك فعلمت إن الله حفظ على وقتي ولم يجر على لساني ذنب كما فعل بالشبلي في ولهه لكنه كان الشبلي يرد في أوقات الصلوات على ما روى عنه فلا أدري هل كان يعقل رده أو كان مثل ما كنت فيه فإن الراوي ما فصل فلما قيل للجنيد عنه قال الحمد لله الذي لم يجر عليه لسان ذنب إلا أني كنت في أوقات في حال غيبتي أشاهد ذاتي في النور الأعم والتجلي الأعظم بالعرش العظيم يصلي بها وأنا عرى عن الحركة بمعزل عن نفسي وأشاهدها بين يديه راكعة وساجدة وأنا أعلم أني أنا ذلك الراكع والساجد كرؤية النائم واليد في ناصيتي وكنت أتعجب من ذلك واعلم أن ذلك ليس غيري ولا هو أنا ومن هناك عرفت المكلف والتكليف والمكلف اسم فاعل واسم مفعول فقد أبنت لك حالة المأخوذين عنهم من المجانين الإلهيين إبانة ذائق بشهود حاصل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الخامس والأربعون في معرفة من عاد بعد ما وصل ومن جعله يعود) وجودك عن تدبير أمر محقق * وتفصيل آيات لو أنك تعقل فيا أيها الإنسان ما غر ذاتكم * برب يرى الأشياء تعلو وتسفل فإن كنت ذا عقل وفهم وفطنة * علمت الذي قد كنت بالأمس تجهل وذلك أن تدري بأنك قابل * لقرب وبعد بالذي أنت تعمل فخف رب تدبير وتفصيل مجمل * فذاك الذي بالعبد أولى وأجمل إذا كان هذا حالك اليوم دائبا * لعل بشارات بسعدك تحصل فإن جلال الحق يعظم قدره * وفي الخلق يقضي ما يشاء ويفصل إذا أخذ المولى قلوب عباده * إليه ويقضي ما يشاء ويعدل فمن شاء أبقاه لديه مكرما * ورد الذي قد شاء لما كان يأمل وذاك نبي أو رسول ووارث * وما ثم إلا هؤلاء فأجملوا ولم يبق إلا واحد وهو وارث * والاثنان قد راحا فما لك تعدل فسبحان من خص الولي براحة * ليغبطه فيها الذي هو أفضل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء ما ورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم ولما كانت حالته صلى الله عليه وسلم في ابتداء أمره صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى وفقه لعبادته بملة إبراهيم الخليل عليه السلام
(٢٥٠)