كانت الثانية التالية لها فإنها لا تكون إلا نفسية عن قصد فوجبت الزكاة أي طهارتها والزكاة فيها هي التوبة منها لا غير فتلتحق بالحركة الأولى في الطهارة من أجل التوبة والتوبة زكاتها هذا حد النصاب فيما تجب فيه الزكاة من جميع ما تجب فيه الزكاة ولا حاجة لتعدادها في الحكم الظاهر المشروع في تلك الأصناف لأن المقصود الاعتبار وقد بان فاكتفينا بذلك عن تفصيله وقد تقدم اعتبار وقت الزكاة وبقي لنا اعتبار من أخرج الزكاة قبل وقتها فإن قوما منعوا من ذلك وبه أقول وأجازه بعضهم (اعتباره) تطهير المحل للخاطر قبل وقوعه بالاستعداد له مع علمه بما يخطر له من جهة الكشف الذي هو عليه فإن قطع بحضوره ولا بد لم يجزه فإنه راجع إلى الطهارة الأولى وإذا وقع فلا بد من طهارة لوقوعه بلا شك فلا يتعدى بالأمور أوقاتها فإن الحكم للوقت ومن أخرجها قبل الوقت فقد عطل حكم الوقت (وصل في ذكر من تجب لهم الصدقة) وهم الثمانية الذين ذكر الله في القرآن الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم والرقاب والغارمون والمجاهدون وابن السبيل اعتبارهم الأعضاء المذكورة تخرج الزكاة من أفعالها وترد على أعيانها وهو المعبر عنه بثوابها ففي أفعال هذه الأعضاء الزكاة وعلى أعيانها تقسم الزكاة فمن زكى نظره بنفسه أعطى الزكاة بصره فعاد يبصر بربه بعد ما كان يبصر بنفسه وكذلك من زكى سمعه بنفسه أعطى الزكاة سمعه فصار يسمع بربه وهو قوله كنت سمعه وبصره وكذلك يتكلم ويبطش ويسعى كل ذلك بربه ويتقلب في أموره كلها بربه (وصل) في تعيين الأصناف الثمانية الذين تقسم الزكاة عليهم اعتبارا فمنهم الفقراء قال الله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله يقول فرضها الله لهؤلاء المذكورين فلا يجوز أن تعطي إلى سواهم وفي إعطائها لصنف واحد خلاف والذي أذهب إليه أنه من وجد من هؤلاء الأصناف قسمت عليهم الصدقة بحسب ما يوجد منهم لكن على الأصناف لا على الأشخاص ولو لم يوجد من صنف منهم إلا شخص واحد دفع إليه قسم ذلك الصنف وإن وجد من الصنف أكثر من شخص واحد قسم على الموجودين منه ما تعين لذلك الصنف قل الأشخاص أو كثروا وكذلك العامل عليها قسمه في ذلك البلد بحسب ما يوجد من الأصناف فإن وجد الكل فالكل صنف ثمن الصدقة إلى سبع وسدس وخمس وربع وثلث ونصف وللكل ثم إنا نقدم من قدم الله بالذكر في العطاء وكذلك أفعل هنا في تعيينهم في هذا الباب فإن رسول الله صلى الله عليهم وسلم لما جاء في حجة وداعه إلى السعي بين الصفا والمروة تلا قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله ابدأ بما بدأ الله به وحدثني بحكايته في هذا بعض أشياخنا قال أراد رجل من أهل القيران الحج فبقي يتردد هل يمشي في البحر أو في البر وما ترجح عنده واحد منهما فقال أسأل أول رجل اجتمع به فحيث ما قال لي سلكت ذلك الطريق قال فأول من لقيه يهودي فحار في أمره هل أسأله فعزم على سؤاله فشاوره فقال له يا مسلم أليس الله يقول هو الذي يسيركم في البر والبحر فقدم البر فقدم ما قدم الله وهذا هو الطريق نبدأ بما بدأ الله به ونقدم ما قدم الله فإنه من التزم ذلك رأى خيرا في حركاته (اعتبار الفقير) الذي يجب إعطاء الصدقة له لا أنه يجب عليه أخذها عند أهل الطريق إلا عندنا فإنه واجب عليه أخذها إذا أعطيته ولا يسألها أصلا ولو تحقق بالعبودية أسنى مرتبة فيها وجاءته أخذها فإن الزكاة وإن كانت لهؤلاء الأصناف فإنها حق الله في هذه الأموال وللعبد أن يأكل من مال سيده فإنه حقه وإنما حرمت على أهل البيت تخصيصا لهذه الإضافة وسواء تحققوا بالعبودية أو لم يتحققوا فلو كان ذلك للتحقق بالعبودية ما حرمت إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان على قدمه الأمر وليس كذلك فأهل الله أولى من تصرف في حقوق الله ثم نرجع فنقول الفقير عندنا الذي ليس وراءه مرتبة للفقر هو الذي يفتقر إلى كل شئ ولا يفتقر إليه شئ وإلى الآن فما رأيت أحدا تحقق بهذه الصفة يقول الله تعالى من باب الغيرة الإلهية يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله فقد كنى عن نفسه في هذه الآية بكل ما يفتقر إليه والله هو الغني الحميد فما افتقر فقير إلا إلى الله عرف ذلك هذا الشخص أو لم يعرفه فإن الفقير الإلهي يرى الحق عين كل شئ وهو في عبوديته منغمس مغمور حين رأى الله
(٥٦٢)