على المنزه ويكون هو الأعلى فإن الحق من باب الحقيقة لا يصح عليه الأعلى فإنه من أسماء الإضافة وضرب من وجوه المناسبة فليس بأعلى ولا أسفل ولا أوسط تنزه عن ذلك وتعالى علوا كبيرا بل نسبة الأعلى والأوسط والأسفل إليه نسبة واحدة فإذا تنزه خرج عن حد الأمر وخرق حجاب السمع وحصل المقام الأعلى فارتفع الميم بمشاهدة القديم فحصل له الثناء التام بتبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام فكان الاسم عين المسمى كذلك العبد عين المولى من تواضع لله رفعه الله وفي الصحيح من الأخبار أن الحق يد العبد ورجله ولسانه وسمعه وبصره لو لم يقبل الخفض من الباء في باسم ما حصل له الرفع في النهاية في تبارك اسم ثم اعلم أن كل حرف من بسم مثلث على طبقات العوالم فاسم الباء باء وألف وهمزة واسم السين سين وياء ونون واسم الميم ميم وياء وميم والياء مثل الباء وهي حقيقة العبد في باب النداء فما أشرف هذا الموجود كيف انحصر في عابد ومعبود فهذا شرف مطلق لا يقابله ضد لأن ما سوى وجود الحق تعالى ووجود العبد عدم محض لا عين له ثم إنه سكن السين من بسم تحت ذل الافتقار والفاقة كسكوننا تحت طاعة الرسول لما قال من يطع الرسول فقد أطاع الله فسكنت السين من بسم لتتلقى من الباء الحق اليقين فلو تحركت قبل أن تسكن لاستبدت بنفسها وخيف عليها من الدعوى وهي سين مقدسة فسكنت فلما تلقت من الباء الحقيقة المطلوبة أعطيت الحركة فلم تتحرك في بعض المواطن إلا بعد ذهاب الباء إذ كان كلام التلميذ بحضور الشيخ في أمر ما سوء أدب إلا أن يأمره فامتثال الأمر هو الأدب فقال عند مفارقة الباء يخاطب أهل الدعوى تائها بما حصل له في المقام الأعلى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون ثم تحرك لمن أطاعه بالرحمة واللين فقال سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين يريد حضرة الباء فإن الجنة حضرة الرسول ع وكثيب الرؤية حضرة الحق فاصدق وسلم تكشف وتلحق فهذه الحضرة هي التي تنقله إلى الألف المرادة فكما أنه ينقلك الرسول إلى الله كذلك تنقلك حضرته التي هي الجنة إلى الكثيب الذي هو حضرة الحق ثم اعلم أن التنوين في بسم لتحقيق العبودة وإشارات التبعيض فلما ظهر منه التنوين اصطفاه الحق المبين بإضافة التشريف والتمكين فقال بسم الله فحذف التنوين العبدي لإضافته إلى المنزل الإلهي ولما كان تنوين تخلق لهذا صح له هذا التحقق وإلا فالسكون أولى به فاعلم انتهى الجزء التاسع (بسم الله الرحمن الرحيم) (وصل) قوله الله من بسم الله ينبغي لك أيها المسترشد أن تعرف أولا ما تحصل في هذه الكلمة الكريمة من الحروف وحينئذ يقع الكلام عليها إن شاء الله وحروفها ا ل ل ا ه وفأول ما أقول كلاما مجملا مرموزا ثم نأخذ في تبيينه ليسهل قبوله على عالم التركيب وذلك أن العبد تعلق بالألف تعلق من اضطروا الالتجاء فأظهرته اللام الأولى طهور أورثه الفوز من العدم والنجاة فلما صح ظهوره وانتشر في الوجود نوره وصح تعلقه بالمسمى وبطل تخلقه بالأسماء أفنته اللام الثانية بشهود الألف التي بعدها فناء لم تبق منه باقية وذلك عسى ينكشف له المعمى ثم جاءت الواو بعد الهاء لتمكن المراد وبقيت الهاء لوجوده آخرا عند محو العباد من أجل العناد فذلك أوان الأجل المسمى وهذا هو المقام الذي تضمحل فيه أحوال السائرين وتنعدم فيه مقامات السالكين حتى يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل لا غير يثبت لظهوره ولا ظلام يبقى لنوره فإن لم تكن تره اعرف حقيقة إن لم تكن تكن أنت إذ كانت التاء من الحروف الزوائد في الأفعال المضارعة للذوات وهي العبودية يقول بعض السادة وقد سمع عاطسا يقول الحمد لله فقال له ذلك السيد أتمها كما قال الله رب العالمين فقال العاطس يا سيدنا ومن العالم حتى يذكر مع الله فقال له الآن قله يا أخي فإن المحدث إذا قرن بالقديم لم يبق له أثر وهذا هو مقام الوصلة وحال وله أهل الفناء عن أنفسهم وأما لو فنى عن فنائه لما قال الحمد لله لأن في قوله الحمد أثبت العبد الذي هو المعبر عنه بالرداء عند بعضهم وبالثوب عند آخرين ولو قال رب العالمين لكان أرفع من المقام الذي كان فيه فذلك مقام الوارثين ولا مقام أعلى منه لأنه شهود لا يتحرك معه لسان ولا يضطرب معه جنان أهل هذا المقام في أحوالهم فاغرة أفواههم استولت عليهم أنوار الذات وبدت عليهم رسوم الصفات هم عرائس الله المخبأون عنده المحجوبون
(١٠٣)