الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة من باب المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر خطبة الجمعة فشكا إليه الجدب فطلب منه أن يستسقي الله فاستسقى له ربه كما هو على منبره وفي نفس خطبته ما تغير عن حاله ولا أخر ذلك إلى وقت آخر وأما الحالة الأخرى فهو أن لا يكون العبد في حال أداء واجب فيعرض له ما يؤديه إلى أن يطلب من ربه ابتداء في حق نفسه أو غيره مما يحتاج أن يتأهب له أهبة جديدة على هيأة مخصوصة فيتأهب لذلك الأمر ويؤدي بين يديه أمرا واجبا ليكون بحكم عبودية الاضطرار فإن المضطر تجاب دعوته بلا شك كذلك العبد إذا لم يكن في حال أداء واجب وأراد الاستسقاء برز إلى المصلي وجمع الناس وصلى ركعتين فالشروع في تلك الصلاة عبودية اختيار وأداء ما فيها من قيام وركوع وسجود وجلوس عبودية اضطرار فإنه يجب عليه في الصلاة النافلة بحكم الشروع الركوع والسجود وكل ما هو فرض في الصلاة فإذا دعا عقيب عبودية الاضطرار فقمن أن يستجاب له ويدخل في الهيئة الخاصة من رفع اليد وتحويل الرداء واستقبال القبلة والتضرع إلى الله والابتهال في حق المحتاجين إلى ذلك كائنا من كان ولما ذكرناه وقع الخلاف في البروز إلى الاستسقاء وقد برز رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خارج المدينة فاستسقى بصلاة وخطبة (واعتبار البروز من المصر إلى خارجه) خروج الإنسان من الركون إلى الأسباب إلى مقام التجريد والفضاء حتى لا يكون بينه وبين السماء الذي هو قبلة الدعاء حجاب سقف ولا غيره وهو خروج من عالم ظاهره مع عالم باطنه في حال الافتقار إلى ربه بنية التخلق بربه في ذلك أو بنية الرحمة بالغير أو بنفسه أو بمجموع ذلك كله (وصل الاعتبار في الوقت الذي يبرز) إن برز من ابتداء طلوع حاجب الشمس إلى الزوال وذلك عند ما يتجلى الحق لقلب العبد التجلي المشبه بالشمس لشدة الوضوح ورفع اللبس وكشف المراتب والمنازل على ما هي عليه حتى يعلم ويرى أين يضع قدمه لئلا يهوى أو يخطئ الطريق أو تؤذيه هو أم أفكار رديئة ووساوس شيطانية فإن الشمس تجلو كل ظلمة وتكشف كل كربة فإن لطلوعها شرع أهل الأسباب في طلب المعاش والمستسقي طالب عيش بلا شك فما دام الحق يطلب العبد لنفسه لما ينقبض من الظل من طلوع الشمس إلى الزوال ليكون طلبه للأشياء من الله بربه لا بنفسه لذلك نبهه على ذلك بقبض الظل إلى حد الزوال فإذا قضيت حاجته التي سأل فيها فمن شأن صاحب هذا الحال إذا حصلت له حاجته أنه يؤديها إلى المحتاج وقد انقبض ظله فأخذ الحق في الاحتجاب عن عبده ليبقى مع نفسه فيما أعطاه في سؤاله مما تحتاج إليه نفسه فيشهده نفسه شيئا فشيئا كما يمتد الظل ويظهر بدلوك الشمس إلى حين الغروب فإذا احتجب عنه بقي مع نفسه متفرغا إليها بما حصله وهو المعبر عنه بالعشاء فينضم إلى وكره ويجمع أهله على مائدته بما اكتسبه في يومه فلهذا كان البروز إلى المصلي من طلوع الشمس فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما برز إلى الاستسقاء خرج حين بدا حاجب الشمس فاعتبرناه على ذلك الحد للمناسبة والمطابقة (وصل اعتبار الصلاة في الاستسقاء) لما شرع الله في الصلاة الدعاء بقوله اهدنا الصراط المستقيم والاستسقاء دعاء مخصوص فأراد الحق أن يكون ذلك الدعاء في مناجاة مخصوصة يدعو فيها بتحصيل قسمه المعنوي من الهداية إلى الصراط المستقيم صراط النبيين الذين هداهم الله تهمما بطلب الأول الذي فيه السعادة المخصوصة بأهل الله ثم بعد ذلك يستسقون في طلب ما يعم الجميع من الرزق المحسوس الذي يشترك جميع الحيوانات وجميع الناس من طائع وعاص وسعيد وشقي فيه فابتدأ بالصلاة ليقرع باب التجلي واستجابة الدعاء فيما يزلف عند الله فيأتي طلب الرزق عقيب ذلك ضمنا ليرزق الكافر بعناية المؤمن والعاصي بعناية الطائع فلهذا شرعت الصلاة في الاستسقاء فعبودية الاختيار قبل عبودية الاضطرار تأهب واستحضار وتزيين محل وتهيؤه وعبودية الاختيار عقيب عبودية الاضطرار شكر وفرح وبشرى بحصول عبودية الاضطرار فالأولى بمنزلة النافلة قبل الفرض والثانية بمنزلة النافلة بعد أداء الفرض لما بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر تنفل حتى تورمت قدماه فسئل في ذلك فقال أفلا أكون عبدا شكورا وعبادة الشكر عبادة مغفول عنها ولهذا قال تعالى وقليل من عبادي الشكور وما بأيدي الناس من عبادة الشكر على النعماء إلا قولهم الحمد لله والشكر لله لفظ ما فيه كلفة وأهل الله يزيدون على مثل هذا اللفظ العمل بالأبدان والتوجه بالهمم قال اعملوا آل داود شكرا ولم يقل قولوا والأمة المحمدية
(٥٠٣)