مسموع وأمره مطاع حين أبي غيره وامتنع ممن سمع الدعاء وربما يدخل في هذا من يقول بالتراخي مع الاستطاعة والأولى بكل وجه المبادرة عند الاستطاعة وارتفاع الموانع فجعل قوله تعالى يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان في مقابلة هذه البشرى بالإجابة جزاء وقال لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة جزاء أيضا مؤكدا لبشراهم بإجابة داعي الحق بالعبادات فقالوا لبيك أي إجابة لك لما دعوتنا إليه وخلقتنا له فلم يرجع داعي الحق خائبا ثم حققوا الإجابة بما فعلوه مما كلفوه على حد ما كلفوه من نسبة الأعمال إليهم وفنائهم عن رؤيتها منهم برؤية مجريها على أيديهم ومنشئها فيهم فهم عمال لأعمال كذا هو الأمر في الحقيقة اطلع العباد على ذلك أو لم طلعوا فشرف العالم بالاطلاع على من لم يطلع وفضل عليه يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (وصل في فصل المكي يحرم بالعمرة دون الحج) فإن العلماء ألزموه بالخروج إلى الحل ولا أعرف لهم حجة على ذلك أصلا واختلفوا إذا لم يخرج إلى الحل فقيل عليه دم وقيل لا يجزيه ووقفت على ما احتجوا به في ذلك فلم أره حجة فيما ذهبوا إليه والذي أذهب إليه في هذه المسألة أن المكي يجوز له أن يحرم من بيته بالعمرة كما يحرم بالحج سواء ويفعل أفعال العمرة كلها من طواف وسعى وحلق أو تقصير ويحل ولا شئ عليه جملة واحدة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت لمن أراد الحج والعمرة ولم يفرق بين حج ولا عمرة قال ميقات أهل مكة من مكة وما يلزم من الأفعال في نسك العمرة فعل وما يلزم من نسك الحج فعل وما خصص رسول الله صلى الله عليه وسلم قط الجمع بين الحل والحرم وإنما شرع ذلك للآفاقى لا للمكي فقال لعبد الرحمن بن أبي بكر اخرج بعائشة إلى التنعيم من أجل أن تحرم بالعمرة مكان عمرتها التي رفضتها حين حاضت وعائشة آفاقية وهذا هو دليل العلماء فيما ذهبوا إليه وهو دليل في غاية الضعف لا يحتج بمثل هذا على المكي والأوجه في تمشية الحكمة في المكي أن لا يخرج إلى الحل إذا أحرم بالعمرة فإنه في حرم الله تعالى فهو في عبودية مشاهدة قد منعه الموطن أن يكون غير عبد ثم أكد تلك العبودية بالإحرام فهو إحرام في حرم تأكيد للعبودية وإجلال للربوبية فإذا خرج إلى الحل نقص عن هذه الدرجة والمطلوب الزيادة في الفضل ألا ترى الآفاقي لما خرج إلى الحل هناك أحرم فلم يكن المطلوب منه في خروجه أن يبقى على إحلاله ثم دخل في الحرم محرما فزاد فضلا على فضل فكان المطلوب الزيادة فالمكي في حرم الله أي موجود في عين القرب من الله بالمكان فلما ذا يخرج والقرب بيته وموطنه حاشا الشارع أن يرى هذا وكذلك ما قاله ولا رآه ولا أمر به والآفاقي لما كان همه متعلقا بوطنه الخارج عن الحرم كان خروجه إلى الحل من أجل الإحرام بالعمرة كالعقوبة له لما كانت الهمة به متعلقة فإنه في نية المفارقة لحرم الله وطلب موطنه الخارج عنه فخرج من الأفضل إلى ما هو دونه وأين جار الله ممن ليس بجار له والله قد وصى بالجار حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه يعني يلحقه بالقرابة أصحاب السهام في الورث وكذلك في الحج واتفق من نسك الحج الوقوف بعرفة وعرفة في الحل وما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما شرع الوقوف بعرفة إلا لكونها في الحل ولا بد للمحرم أن يجمع بين الحل والحرم ما تعرض الشارع إلى شئ من ذلك ولو كان مقصوده لأبان عنه وما نرك الناس في عماية بل بين صلى الله عليه وسلم في المواقيت ما ذكرناه فوصف المناسك وعينها وأحوالها وأماكنها وأزماتها فالله يلهمنا رشد أنفسنا ويجعلنا ممن اتبع وتأسي آمين بعزته والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (وصل في فصل متى بقطع الحاج التلبية) فمن قائل إذا زاغت الشمس من يوم عرفة وهو عند الزوال ومن قائل حتى يرمي جمرة العقبة كلها ومن قائل حين يرمي أول حصاة من جمرة العقبة وقد تقدم قولنا في ذلك وهو أنه ما بقي عليه فعل من أفعال الحج فلا يقطع التلبية حتى يفرع منه فإن الله يدعوه ما بقي عليه فعل من أفعال الحج فالإجابة لازمة وما ثم نص من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فإنه غاية ما وصل إلينا أن الواحد ما سمعه يلبي بعد ما زاغت الشمس والآخر ما سمعه يلبي حين رمى أول حصاة من جمرة العقبة والآخر ما سمعه يلبي بعد آخر رميه حصاة من آخر جمرة العقبة فصدق كل واحد منهم في أنه ما سمع مثل قولهم
(٦٩٨)