فعرف بنزوله مقادير الأشياء وأوزانها وعرف بقدره منها كما نزل الرب تعالى في الثلث الباقي من الليل فالليل محل النزول الزماني للحق وصفته التي هي القرآن وكان الثلث الباقي من الليل في نزول الرب غيب محمد صلى الله عليه وسلم وغيب هذا النوع الإنساني فإن الغيب ستر والليل ستر وسمي هذا الباقي من الليل الثلث لأن هذه النشأة الإنسانية لها البقاء دائما في دار الخلود فإن الثلثين الأولين ذهبا بوجود الثلث الباقي أو الآخر من الليل فيه نزل الحق فأوجب له البقاء أيضا وهو ليل لا يعقبه صباح أبدا فلا يذهب لكن ينتقل من حال إلى حال ومن دار إلى دار كما ينتقل الليل من مكان إلى مكان أمام الشمس وإنما يفر أمامها لئلا تذهب عينه إذ كان النور ينافي الظلمة وتنافيه غير أن سلطان النور أقوى فالنور ينفر الظلمة والظلمة لا تنفر النور وإنما هو النور ينتقل فتظهر الظلمة في الموضع الذي لا عين للنور فيه ألا ترى الحق تسمى بالنور ولم يتسم بالظلمة إذ كان النور وجودا والظلمة عدما وإذ كان النور لا تغالبه الظلمة بل النور الغالب كذلك الحق لا يغالبه الخلق بل الحق الغالب فسمى نفسه نورا فتذهب السماء وهو الثلث الأول من الليل وتذهب الأرض وهو الثلث الثاني من الليل ويبقى الإنسان في الدار الآخرة أبد الآبدين إلى غير نهاية وهو الثلث الباقي من الليل وهو الولد عن هذين الأبوين السماء والأرض فنزل القرآن في الليلة المباركة في الثلث الآخر منها وهو الإنسان الكامل ففرق فيه كل أمر حكيم فتميز عن أبويه بالبقاء نزل به الروح الأمين على قلبك هو محمد صلى الله عليه وسلم ألا ترى الشارع كيف قال في ولد الزنا إنه شر الثلاثة وكذلك ولد الحلال خير الثلاثة من هذا الوجه خاصة فإن الماء الذي خلق منه الولد من الرجل والمرأة أراد الخروج وهو الماء الذي تكون منه الولد وهو الأمر الثالث فحرك لما أراد الخروج الأبوين للنكاح ليخرج وكان تحريكه لهما على غير وجه مرضي شرعا يسمى سفاحا فقيل فيه إنه شر الثلاثة أي هو سبب الحركة التي بها انطلق عليهم اسم الشر فجعله ثلاثة أثلاث الأبوان ثلثان والولد ثالث كذلك قسم الليل على ثلاثة أثلاث ثلثان ذاهبان وهما السماء والأرض وثلث باق وهو الإنسان وفيه ظهرت صورة الرحمن وفيه نزل القرآن وإنما سميت السماء والأرض ليلا لأن الظلمة لها من ذاتها والإضاءة فيها من غيرها من الأجسام المستنيرة التي هي الشمس وأمثالها فإذا زالت الشمس أظلمت السماء والأرض فهذا يا أخي قد استفدت علوما لم تكن تعرفها قبل هذا وهي علوم هذا الشخص المحقق بمنزل الأنفاس وكل ما أدركه هذا الشخص فإنما أدركه من الروائح بالقوة الشمية لا غير وقد رأينا منهم جماعة بإشبيلية وبمكة وبالبيت المقدس وفاوضناهم في ذلك مفاوضة حال لا مفاوضة نطق كما أني فاوضت طائفة أخرى من أصحاب النظر البصري بالبصر فكنت أسأل وأجاب ونسأل ونجيب بمجرد النظر ليس بيننا كلام معتاد ولا اصطلاح بالنظر أصلا لكن كنت إذا نظرت إليه علمت جميع ما يريده مني وإذا نظر إلى علم جميع ما نريده منه فيكون نظره إلي سؤالا أو جوابا ونظري إليه كذلك فنحصل علوما جمة بيننا من غير كلام ويكفي هذا القدر من بعض علم هذا الشخص فإن علومه كثيرة أحطنا بها فمن أراد أن يعرف مما ذكرناه شيئا فليعلم الفرق بين في في قوله كان في عماء وبين استوى في قوله الرحمن على العرش استوى ولم يقل في كما قال في السماء وفي الليل ويتبين لك في كل ما ذكرناه مقام جمع الجمع ومقام الجمع ومقام التفرقة ومقام تمييز المراتب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء التاسع عشر (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الخامس والثلاثون في معرفة هذا الشخص المحقق في منزل الأنفاس وأسراره بعد موته رضي الله عنه) العبد من كان في حال الحياة به * كحاله بعد موت الجسم والروح والعبد من كان في حال الحجاب به * نورا كإشراق ذات الأرض من يوح فحالة الموت لا دعوى تصاحبها * كما الحياة لها الدعوى بتصريح في حق قوم وفي قوم تكون لهم * تلك الدعاوي بإيماء وتلويح فإن فهمت الذي قلناه قمت به * وزنا تنزه عن نقص وترجيح
(٢١٧)