ما قتل من النعم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره كما يعذب الميت في قبره ومن عاد لمثل ذلك الفعل فينتقم الله منه إما بإعادة الجزاء فإنه وبال والوبال الانتقام وإما أن يسقط عنه في الدنيا هذا الوبال المعين وينتقم الله منه بمصيبة يبتليه بها إما في الدنيا وإما في الآخرة فإنه لم يعين واعلم أن كل علم من علوم الأسرار المصونة في خزائن الغيرة التي لا يوهب إلا لأهله فإنه قال صلى الله عليه وسلم لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها فهي كالصيد في حمى الحرم أو الإحرام أو هما معا أعني في الحمائين فإذا قتلها وهو أن يمنحها غير أهلها فلا يعرف قدرها فتموت عنده عاد وبالها عليه فيكفر بها ويتزندق فذلك عين الجزاء حكم به عدلان وهما الكتاب والسنة فإن كان الجزاء مثلا فيبحث عن جاهل عنده حكمة لا يعرف قدرها فيبين له عن مكانتها حتى يحيى بها قلبه فيقتل متعمدا من ذلك الشخص عين الجهل القائم به الذي كان سبب إضاعة هذا العلم عنده وصورة العقوبة والوبال فيه عليه إنه حرم حكمة ذلك الجهل في ذلك الجاهل حتى رآها صفة مذمومة منهيا عنها مستعاذا بالله منها في قوله أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين فحرم ما هو كمال في نفس الأمر إذ كان الجهل من جملة الأسرار المخزونة في أعيان الجاهلين فحفظها تبرم العالم منها فكأنهم تبرءوا عن حقائقهم فالذي تبرءوا منه وقعوا فيه فإنهم تبرءوا من الجهل بالجهل لو عقلوه فحكم جهلهم فيهم أعظم من جهل الجهلاء فإنهم ما تفطنوا لقول الله فلا تكونن من الجاهلين فلا ينتهي إلا عن معلوم محقق عنده فإنه إن لم يعلم الجهل فلا يدري ما نهي عنه وإذا علمه فقد اتصف به فإن الجهل إن لم يكن ذوقا فلا يحصل له العلم به فإنه من علوم الأذواق ألا ترى الطائفة قد أجمعوا على إن العلم بالله عين الجهل به تعالى وقال الله تعالى في الجاهل ذلك مبلغهم من العلم فسمى الجهل علما لمن تفطن وهي صفة كيانية حقيقة للعبد إن خرج منها ذم وإن بقي فيها حمد فإنه ما علم من الله سوى ما عنده وما عنده ينفد فإنه عنده وما هو هو لا ينفد وهو هو عين الجهل والذي عنده عين العلم فهو عين الدلالة والدليل وهو الدال فهو عين العلم بالله والعلم بالله نفي العلم بالله * والثبت من صفة المنعوت بالساهي فالعلم جهل لكون العين واحدة * والجهل علم بكون الله في اللاهي انتهى الجزء التاسع والستون (بسم الله الرحمن الرحيم) (وصل في فصل اختلافهم في آية قتل الصيد في الحرم والإحرام في كفارته هل هي على الترتيب أم لا) الآية قوله فجزاء مثل ما قتل من النعم إلى آخر الآية اختلفوا في هذه الآية هل هي على الترتيب وبه قال بعضهم إنه المثل أولا فإن لم فالإطعام فإن لم فالصيام أو الآية على التخيير وقال به بعضهم وهو أن الحكمين يخير أن الذي عليه الجزاء وبه أقول فإن كلمة أو تقتضي التخيير ولو أراد الترتيب لقال وأبان كما فعل في كفارات الترتيب فمن لم يجد فمذهبنا في هذه المسألة أن المثل المذكور هنا ليس كما رآه بعضهم أن يجعل في النعامة بدنة وفي الغزالة شاة وفي البقرة الوحشية بقرة إنسية بل في كل شئ مثله فإن كانت نعامة اشترى نعامة صادها حلال في حل وكذلك كل مسمى صيد مما يحل صيده وأكله من الطير وذوات الأربع أو كفارة بإطعام وحد ذلك عندي إن ينظر إلى قيمة ما يساوي ذلك المثل فيشتري بقيمته طعاما فيطعمه للمساكين أو عدل ذلك صياما فننظر إلى أقرب الكفارات شبها بهذه الكفارة الجامعة لهدي أو إطعام أو صيام فلم نجد إلا من حلق رأسه وهو محرم لأذى نزل به ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فذكر الثلاثة المذكورة في كفارة قاتل الصيد فجعل الشارع هنالك في الإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وجعل الصيام ثلاثة أيام فجعل لكل صاع يوما فننظر القيمة فإن بلغت صاعا أو أقل فيوم فإن الصوم لا يتبعض وإن بلغت القيمة أن نشتري بها صاعين أو دون الصاعين أو أكثر من الصاع فيومان وهكذا ما بلغت القيمة وأعني بالقيمة قيمة المثل يشتري بها طعاما فيطعم والصيام محمول على ما حصل من الطعام بالشراء على ما قرناه فهو مخير بين المثل والإطعام بقيمة المثل والصيام
(٧٢٨)