كونية فإن كانت زكاة فرض فهي منة إلهية فإن كانت نذرا فهي إلهية كونية قهرية فإن النذر يستخرج به من البخيل وإن كانت هذه الأعطية هدية فما هو من هذا الباب فإن هذا الباب مخصوص بإعطاء ما هو صدقة لا غير فتكبر هذه الصدقة في يد الرحمن حسا ومعنى فالحس منها من حيث ما هي محسوسة فتجدها في الجنة حسية المشهد مرئية بالبصر والمعنى فيها من حيث ما قام به من الكسب الحلال والتقوى فيه والمسارعة بها وطيب النفس بها عند خروجها ومشاهدته ما ذكرناه من الشؤون الإلهية فيها فيجدها في الكثيب عند المشاهدة العامة ويجدها في كل زمان تمر عليه الموازين لزمان إخراجها وهو في الجنة فيختص من الله بمشهد في عين جنته لا يشهده إلا من هو بهذه المثابة خرج مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربوا في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله وكل من نزل في صدقته عن هذه الدرجة التي وصفناها كانت منزلته عند الله بمنتهى علمه وقصده فالصدقة لا تكون إلا من الاسم الغني الشديد ذي القوة المتين بطريق الامتنان غير طالب الشكر عليها فإن اقترن معها طلب الشكر فليست من الاسم الغني بل من الاسم المريد الحكيم العالم فإن خطر للمتصدق أن يقرض الله قرضا حسنا بصدقته تلك مجيبا لأمر الله فهذا الباب أيضا يلحق بالصدقة لكونه مأمورا بالقرض وقد يكون القرض نفس الزكاة الواجبة فإن طلب عوضا زائدا ينتفع به على ما أقرض خرج عن حده قرضا وكان صدقة غير موصوفة بالقرضية فإنه لم يعط القرض المشروع فإن الله لا ينهى عن الربا ويأخذه منا كذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كل قرض جر نفعا فهو ربا وهو أن يخطر له هذا عند الإعطاء فلا يعطيه إلا لهذا وللمعطي الذي هو المقترض أن يحسن في الوفاء ويزيد فوق ذلك ما شاء من غير أن يكون شرطا في نفس القرض فإن الله قد وعد بتضاعف الأجر في القرض ولكن لا يقرضه العبد لأجل التضاعف بل لأجل الأمر والإحسان في الجزاء يوم القيامة لله تعالى على ذلك وهذا معنى قوله حسنا في وصف القرض فإن الله يعاملنا بما شرع لنا لا بغير ذلك ألا تراه قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله يوم القيامة أن يحكم بالحق الذي بعثه به بين عباده وبينه فقال له قل رب احكم بالحق والألف واللام في الحق للحق المعهود الذي بعث به وعلى هذا تجري أحوال الخلق يوم القيامة فمن أراد أن يرى حكم الله يوم القيامة فلينظر إلى حكم الشرائع الإلهية في الدنيا حذوك النعل بالنعل من غير زيادة ولا نقصان فكن على بصيرة من شرعك فإنه عين الحق الذي إليه مآلك ولا نغتر وكن على حذر وحسن الظن بربك واعرف مواقع خطابه في عباده من كتابه العزيز وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم (وصل في فصل إخفاء الصدقة) اعلم أن إخفاء الصدقة شرط في نيل المقام العالي الذي خص الله به الأبدال السبعة وصورة إخفائها على وجوه منها أن لا يعلم بك من تصدقت عليه وتتلطف في إيصال ذلك إليه بأي وجه كان فإن الوجوه كثيرة ومنها أن تعلمه كيف يأخذ وأنه يأخذ من الله لا منك حتى لا يرى لك فضلا عليه بما أعطيته فلا يظهر عليه بين يديك أثر ذلة أو مسكنة ويحصل له علم جليل بمن أعطاه فتغيب أنت عن عينه حين تعطيه فإنه قد قررت عنده أنه ما يأخذ سوى ما هو له فهذا من إخفاء الصدقة ومنها أن تخفي كونها صدقة فلا يعلم المتصدق عليه بين يدي المتصدق فإذا أخذها العامل الذي نصبه السلطان أخذها بعزة وقهر منك فإذا حصلت بيد السلطان الذي هو الوكيل من قبل الله عليها أعطاها لسلطان أربابها لثمانية وأخذها أربابها بعزة نفس لا بذلة فإنه حق لهم بيد هذا الوكيل فلا يعلم الآخذ في أعطيته من هو رب ذلك المال على التعيين فلم يكن للغني رب المال على هذا الفقير منة ولا عزة ولا يعرف هل وصل إليه على التعيين عين ماله على التعيين فكان هذا أيضا من إخفاء الصدقة لأنه لم يعلم المتصدق عين من تصدق عليه ولا علم المتصدق عليه عين المتصدق وليس في الإخفاء أخفى من هذا فلم تعلم شماله ما أنفقته يمينه هذا هو عين ذلك وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلناه من إخفاء الصدقة في الإبانة عن المنازل السبعة التي هي لخصائص الحق المستظلين يوم القيامة بظل عرش الرحمن لأنهم من أهل الرحمن خرج البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام
(٥٧٩)