بعناية الله وهذا من عناية الله وأهل لا إله إلا الله بكل وجه وعلى كل حال لا يقبلهم الخلود في النار إلا من أشرك أو سن الشرك فإنهم لا يخرجون من النار أبدا فالأهواء والبدع وكل كبيرة لا تقدح في لا إله إلا الله لا تعتبر مؤثرة في أهل لا إله إلا الله فإن التوحيد لا يقاومه شئ مع وجوده في نفس العبد ولولا النص الوارد في المشرك وفيمن سن الشرك لعمت الشفاعة كل من أقر بالوجود وإن لم يوحد فإن المشرك له ضرب من التوحيد أعني توحيد المرتبة الإلهية العظمى فإن المشرك جعل الشريك شفيعا عند الله يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله كما قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فوحد هذا المشرك الله في عظمته ليست للشريك عنده هذه الرتبة إذ لو كانت له ما اتخذه شفيعا والشفيع لا يكون حاكما فلهم رائحة من التوحيد وبهذه الرائحة من التوحيد وإن لم يخرجوا من النار لا يبعد أن يجعل الله لهم فيها نوعا من النعيم في الأسباب المقرونة بها الآلام وأدنى ما يكون من تنعيمهم أن يجعل المقرور في الحرور ونقيضه الذي هو المحرور في الزمهرير حتى يجد كل واحد منهما بعض لذة كما كانت لهم هنا بعض رائحة من التوحيد فيخلقهم الله على مزاج يقبلون به نعيم هذه الأسباب المعتادة بوجود الألم عندها في المزاج الذي لا يلائمه ذلك وما ذلك على الله بعزيز فإنه الفعال لما يريد وما ورد نص يحول بيننا وبين ما ذكرناه من الحكم فبقي الإمكان على أصله في هذه المسألة وفي الشريعة ما يعضده من قوله ورحمتي وسعت كل شئ وقوله رحمتي سبقت غضبي (وصل في فصل من قتله الإمام حدا) فمن الناس من لم ير أن يصلي عليه الإمام ومنهم من رأى أنه يصلي عليه الإمام وبه أقول (اعتبار هذا الفصل) الغاسل غير ممنوع من الصلاة على من غسله والإمام هنا غاسل فإن القتل هنا للمقتول طهور معنوي مكفر وقد ورد في ذلك الخبر فللإمام أن يصلي عليه لتحقق طهوره والعجب من صاحب هذا المذهب الذي يمنع من صلاة الإمام عليه وهو عنده لو مات من عليه هذا الحد صلى عليه الإمام مع تحققه بأنه مشغول الذمة بهذا الحد الواجب عليه وأنه غير طاهر النفس فإن أمره إلى الله إن شاء آخذه به وإن شاء عفا عنه وبهذا وردت الأخبار فالأولى أن يصلي عليه الإمام إذا قتله حدا كالغاسل سواء فإنه لا معنى لإقامة الحدود على المؤمنين في الدنيا إلا إزالتها عنهم في الآخرة بخلاف من قتل سياسة أو كفرا لا حدا (وصل في فصل من قتل نفسه هل يصلى عليه أم لا يصلى عليه) فقيل يصلى عليه ومن قائل لا يصلى عليه وبالأول أقول (وصل اعتبار هذا الفصل) لما أذن الله عز وجل في الشفاعة بالصلاة على الميت علمنا أنه عز وجل قد ارتضى ذلك وأن السؤال فيه مقبول وأخبر أن الذي يقتل نفسه في النار خالدا مخلد فيها أبدا وأن الجنة عليه حرام وما ورد نهي عن الصلاة على من قتل نفسه فيحمل ذلك على من قتل نفسه ولم يصل عليه فيجب على المؤمنين الصلاة على من قتل نفسه لهذا الاحتمال فيقبل الله شفاعة المصلي عليه فيه ولا سيما والأخبار الصحاح والأصول تقضي بخروجه من النار ويخرج الخبر الوارد بتأبيد الخلود مخرج الزجر والحكمة المشار إليها في هذه المسألة في قول الله تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ففيه إشارة حقيقة فالإشارة يسارعون وسابقوا ومن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا والموت سبب لقاء الله فكان الإنسان في حياته يسافر ويقطع المنازل بأنفاسه إلى لقاء ربه وقد جعل له حدا مخصوصا فاستعجل اللقاء فبادر إليه قبل وصوله إلى ذلك الحد وهو السبب الذي لا تعمل له في لقائه فإن كان عن شوق للقاء الحق فإنه يلقاه برفع الحجب ابتداء فإنه قال حرمت عليه الجنة والجنة الستر أي منعت عنه أن يستر عني فإنه بادرني بنفسه ولم يقل ذلك على التفصيل فحمله على وجه الخبر للمؤمن لما يعضده من الأصول أولى وأما قوله عليه السلام فيمن قتل نفسه بحديدة وبسم وبالتردي من الجبل فلم يقل في الحديث من المؤمنين ولا من غيرهم فتطرق الاحتمال وإذا دخل الاحتمال رجعنا إلى الأصول فرأينا إن الايمان قوى السلطان لا يتمكن معه الخلود على التأبيد إلى غير نهاية في النار فنعلم قطعا إن الشارع أخبر بذلك عن المشركين في تعيين ما يعذبون به أبدا فقال من قتل نفسه بحديدة منهم فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا أي هذا
(٥٣٤)