ولهذا سماها الله صدقة أي هي أمر شديد على النفس تقول العرب رمح صدق أي صلب شديد قوي أي تجد النفس لإخراج هذا المال لله شدة وحرجا كما قال ثعلبة بن حاطب (وصل مؤيد) قال تعالى في حق ثعلبة بن حاطب ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين وما أخبر الله تعالى عنه أنه قال إن شاء الله فلو قال إن شاء الله لفعل ثم قال تعالى في حقه فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون وذلك أن الله لما فرض الزكاة جاء مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه زكاة غنمه فقال هذه أخية الجزية وامتنع فأخبر الله فيه بما قال فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون فلما بلغه ما أنزل الله فيه جاء بزكاته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فامتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منه ولم يقبل صدقته إلى أن مات صلى الله عليه وسلم وسبب امتناعه صلى الله عليه وسلم من قبول صدقته أن الله أخبر عنه أنه يلقاه منافقا والصدقة إذا أخذها النبي منه صلى الله عليه وسلم طهره بها وزكاه وصلى عليه كما أمره الله وأخبر الله أن صلاته سكن للمتصدق يسكن إليها وهذه صفات كلها تناقض النفاق وما يجده المنافق عند الله فلم يتمكن لهذه الشروط أن يأخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة لما جاءه بها بعد قوله ما قال وامتنع أيضا بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخذها منه أبو بكر وعمر لما جاء بها إليهما في زمان خلافتهما فلما ولي عثمان بن عفان الخلافة جاءه بها فأخذها منه متأولا أنها حق الأصناف الذين أوجب الله لهم هذا القدر في عين هذا المال وهذا الفعل من عثمان من جملة ما انتقد عليه وينبغي أن لا ينتقد على المجتهد حكم ما أداه إليه اجتهاده فإن الشرع قد قرر حكم المجتهد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما نهى أحدا من أمرائه أن يأخذ من هذا الشخص صدقته وقد ورد الأمر الإلهي بإيتاء الزكاة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا قد يفارق حكم غيره فإنه قد يختص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمور لا تكون لغيره لخصوص وصف إما تقتضيه النبوة مطلقا أو نبوته صلى الله عليه وسلم فإن الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم في أخذ الصدقة تطهرهم وتزكيهم بها وما قال يتطهرون ولا يتزكون بها فقد يكون هذا من خصوص وصفه وهو رؤوف رحيم بأمته فلو لا ما علم أن أخذه يطهره ويزكيه بها وقد أخبره الله أن ثعلبة بن حاطب يلقاه منافقا فامتنع أدبا مع الله فمن شاء وقف لوقوفه صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر ومن شاء لم يقف كعثمان لأمر الله بها العام وما لم يلزم غير النبي صلى الله عليه وسلم أن يطهر ويزكي مؤدي الزكاة بها والخليفة فيها إنما هو وكيل من عينت له هذه الزكاة أعني الأصناف الذين يستحقونها إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نهى أحدا ولا أمره فيما توقف فيه واجتنبه فساغ الاجتهاد وراعى كل مجتهد الدليل الذي أداه إليه اجتهاده فمن خطأ مجتهدا فما وفاه حقه وإن المخطئ والمصيب منهم واحد لا بعينه (وصل) اعلم أن الله تعالى لما قال الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم كان ذلك قبل فرض الزكاة التي فرض الله على عباده في أموالهم فلما فرض الله الزكاة على عباده المؤمنين طهر الله بها أموالهم وزال بأدائها اسم البخل من مؤديها فإنه قال فيمن أنزلت الزكاة من أجله فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فوصفهم بعدم قبول حكم الله فأطلق عليهم صفة البخل لمنعهم ما أوجب الله عليهم في أموالهم ثم فسر العذاب الأليم بما هو الحال عليه فقال تعالى يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وذلك أن السائل إذا رآه صاحب المال مقبلا إليه انقبضت أسارير جبينه لعلمه أنه يسأله من ماله فتكوى جبهته فإن السائل يعرف ذلك في وجهه ثم إن المسؤول يتغافل عن السائل ويعطيه جانبه كأنه ما عنده خبر منه فيكوي بها جنبه فإذا علم من السائل أنه يقصده ولا بد أعطاه ظهره وانصرف فأخبر الله أنه تكوى بها ظهورهم فهذا حكم مانعي الزكاة أعني زكاة الذهب والفضة وأما زكاة الغنم والبقر والإبل فأمر آخر كما ورد في النص أنه يبطح لها بقاع قرقر فتنطحه بقرونها وتطأه بأظلافها وتعضه بأفواهها فلهذا خص الجباة والجنوب والظهور بالذكر في الكي والله أعلم بما أراد فأنزل الله الزكاة كما قلنا طهارة للأموال وإنما اشتدت على الغافلين الجهلاء لكونهم اعتقدوا أن الذي عين لهؤلاء الأصناف ملك لهم وأن ذلك من أموالهم وما علموا إن ذلك المعين
(٥٤٨)