(وصل في فصل وقت النية للصوم) فمن قائل لا يجزي الصيام إلا بنية قبل الفجر مطلقا في جميع أنواع الصوم ومن قائل تجزى النية بعد الفجر في صوم التطوع لا في الفروض ومن قائل تجزئ النية بعد الفجر في الصيام المتعلق وجوبه بوقت معين والنافلة ولا تجزى في الواجب في الذمة (وصل الاعتبار في ذلك) الفجر علامة على طلوع الشمس فهو كالاسم الإلهي من حيث دلالته على المسمى به لا على المعنى الذي تميز به عن غيره من الأسماء والقاصد للصوم قد يقصده اضطرارا واختيارا والإنسان في علمه بالله قد يكون صاحب نظر فكري أو صاحب شهود فمن كان علمه بالله عن نظر في دليل فلا بد أن يطلب على الدليل الموصل إليه إلى المعرفة فهو بمنزلة من نوى قبل الفجر ومدة نظره في الدليل كالمدة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والمعرفة بالله على قسمين واجبة كمعرفته بتوحيده في ألوهيته ومعرفة غير واجبة كمعرفته بنسبة الأسماء إليه التي تدل على معان فإنه لا يجب عليه النظر في تلك المعاني هل هي زائدة عليه أم لا فمثل هذه المعرفة لا يبالي متى قصدها هل بعد حصول الدليل بتوحيد الإله أو قبله وأما الواجب في الذمة فكالمعرفة بالله من حيث ما نسب الشرع إليه في الكتاب والسنة فإنه قد تعين بالدليل النظري إن هذا شرعه وهذا كلامه فوقع الايمان به فحصل في الذمة فلا بد من القصد إليه من غير نظر إلى الدليل النظري وهو الذي اعتبر فيه النية قبل الفجر لأنه عنده علم ضروري وهو المقدم على العلم النظري لأن العلم النظري لا يحصل إلا أن يكون الدليل ضروريا أو مولدا عن ضروري على قرب أو بعد وإن لم يكن كذلك فليس بدليل قطعي ولا برهان وجودي (وصل في فصل الطهارة من الجنابة للصائم) فالجمهور على إن الطهارة من الجنابة ليست شرطا في صحة الصوم وأن الاحتلام بالنهار لا يفسد الصوم إلا بعضهم فإنه ذهب إلى أنه إذا تعمد ذلك أفسد صومه وهو قول ينقل عن النخعي وطاوس وعروة بن الزبير وقد روى عن أبي هريرة ذلك في المتعمد وغير المتعمد وكان يقول من أصبح جنبا في رمضان أفطر وكان يقول ما أنا قلته محمد صلى الله عليه وسلم قاله ورب الكعبة وقال بعض المالكين إن الحائض إذا طهرت قبل الفجر فأخرت الغسل إن يومها يوم فطر (وصل الاعتبار في هذا) الجنابة الغربة والغربة بعد الحيض أذى والأذى يوجب البعد وأعني الأذى الخاص مثل قوله إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله أي أبعدهم واللعنة البعد وسببه وقوع الأذى منهم فهو بعيد من الاسم القدوس والصوم يوجب القرب من الله الذي ليس كمثله شئ والصوم لا مثل له في العبادات فكما لا يجتمع القرب والبعد لا يجتمع الصوم والجنابة والأذى ومن راعى أن الجنابة حكم الطبيعة فكذلك الحيض وقال إن الصوم نسبة إلهية أثبت كل أمر في موضعه فقال بصحة الصوم للجنب وللطاهرة من الحيض قبل الفجر إذا أخرت الغسل فلم تتطهر إلا بعد الفجر وهو الأولى في الاعتبار لما تطلبه الحكمة من إعطاء كل ذي حق حقه فإن الحكيم عز وجل يقول أعطى كل شئ خلقه ثم هدى أي بين وأثنى الله بهذا القول لما حكاه عن موسى أنه قاله لفرعون ولم يجرحه تعالى في هذا القول كما جرح من قال إن الله فقير وإن الله ثالث ثلاثة (وصل في فصل صوم المسافر والمريض شهر رمضان) فمن قائل إنهما إن صاماه وقع وأجزأهما ومن قائل إنه لا يجزيهما وأن الواجب عليهما عدة من أيام أخر والذي أذهب إليه أنهما إن صاماه فإن ذلك لا يجزيهما وأن الواجب عليهما أيام أخر غير أني أفرق بين المريض والمسافر إذا أوقعا الصوم في هذه الحالة في شهر رمضان فأما المريض فيكون الصوم له نفلا وهو عمل بر وليس بواجب عليه ولو أوجبه على نفسه فإنه لا يجب عليه وأما لمسافر لا يكون صومه في السفر في شهر رمضان ولا في غيره عمل بر وإذا لم يكن عمل بر كان كمن لم يعمل شيئا وهو أدنى درجاته أو يكون على ضد البر ونقيضه وهو الفجور ولا أقول بذلك إلا أني أنفي عنه إن يكون في عمل بر في ذلك الفعل في تلك الحال والله أعلم (الاعتبار) السالك هو المسافر في المقامات بالأسماء الإلهية فلا يحكم عليه الاسم الإلهي رمضان بالصوم الواجب ولا غير الواجب ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ليس من البر
(٦١٢)