عذاب عظيم فما فهموا ما العذاب لاتحاد الصفة عندهم فأوجد لهم عالم الكون والفساد وحينئذ علمهم جميع الأسماء وأنزلهم على العرش الرحماني وفيه عذابهم وقد كانوا مخبوئين عنده في خزائن غيوبه فلما أبصرتهم الملائكة خرت سجودا لهم فعلموهم الأسماء فأما أبو يزيد فلم يستطع الاستواء ولا أطاق العذاب فصعق من حينه فقال تعالى ردوا على حبيبي فإنه لا صبر له عني فحجب بالشوق والمخاطبة وبقي الكفار فنزلوا من العرش إلى الكرسي فبدت لهم القدمان فنزلوا عليهما في الثلث للباقي من ليلة هذه النشأة الجسمية إلى سماء الدنيا النفسي فخاطبوا أهل الثقل الذين لا يقدرون على العروج هل من داع فيستجاب له هل من تائب فيتاب عليه هل من مستغفر فيغفر له حتى ينصدع الفجر فإذا انصدع ظهر الروح العقلي النوري فرجعوا من حيث جاءوا قال صلى الله عليه وسلم من كان مواصلا فليواصل حتى السحر فذلك أوان بعثر ما في القبور فكل عبد لم يحذر مكر الله فهو مخدوع فافهم (فصل) ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون أبدع الله المبدعات وتجلى بلسان الأحدية في الربوبية فقال ألست بربكم والمخاطب في غاية الصفاء فقال بلي فكان كمثل الصدا فإنهم أجابوه به فإن الوجود المحدث خيال منصوب وهذا الإشهاد كان إشهاد رحمة لأنه ما قال لهم وحدي إبقاء عليهم لما علم من أنهم يشركون به بما فيهم من الحظ الطبيعي وبما فيهم من قبول الاقتدار الإلهي وما يعلمه إلا قليل فلما برزت صور العالم من العلم الأزلي إلى العين الأبدي من وراء ستارة الغيرة والعزة بعد ما أسرج السرج وأنار بيت الوجود وبقي هو في ظلمة الغيوب فشوهدت الصور متحركة ناطقة بلغات مختلفات والصور تنبعث من الظلمة فإذا انقضى زمانها عادت إلى الظلمة وهكذا حتى السحر فأراد الفطن أن يقف على حقيقة ما شاهده بصره فإن للحس أغاليط فقرب من الستارة فرأى نطقها غيبا فيها فعلم إن ثم سرا عجيبا فوقف عليه من نفسه فعرفه وعرف الرسول وما جاء به من وظائف التكليف فأول وظيفة كلمة التوحيد فأقر الكل بها فما جحد أحد الصانع واختلفت عباراتهم عليه فابتلاهم بأن خاطبهم بلسان الشرك شهادة الرسول فوقع الإنكار باختصاص الجنس فتفرق أهل الإنكار على طريقين فمنهم من نظر في الظواهر فلم ير تفضيلا في شئ ظاهر فأنكر ومنهم من نظر باطنا عقلا فرأى الاشتراك في المعقولات ونسي الاختصاص فأنكر فأرسله بالسيف فقذف في قلوبهم الرعب من الموت وداخلهم الشك على قدر نظرهم فمنهم من استمر على نفي كلمة الإشراك قطعا فذلك كافر ومنهم من استمر عليها مشاهدة فذلك عالم بالله ومنهم من استمر على ثبتها نظرا فذلك عارف بالله ومنهم من استمر على ثبتها اعتقادا فتلك العامة ومنهم من خاف القتل فلفظ ولم يعتقد فنادى عليه لسان الحق فقال ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ظاهرا وما هم بمؤمنين باطنا يخادعون الله بلزوم الدعوى وبجهلهم القائم بهم بأن الله لا يعلم وأني أرد أعمالهم عليهم وما يشعرون اليوم بذلك في قلوبهم مرض شك مما جاءهم به رسولي فزادهم الله مرضا شكا وحجابا ولهم عذاب أليم يوم القيامة وهم فيه بما كانوا يكذبون مما حققنا لديهم ولم تسبق لهم عناية في اللوح القاضي (وصل) وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون لما أكمل الوجود بثمانية برز في ميدان التنعم فارس الدعوى فلم يكن في جيش ومن الناس من يقول آمنا من يبرز إليه فملك الكل وصبوا إليه وإلى دينه باطنا فعوقبوا بطلب الإقرار وإلا قتلوا فأقروا لفظا فحصل لهم العذاب الأليم دنيا وآخرة فإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض أرض الأشباح قالوا من خيالهم إنما نحن مصلحون فقال الله تعالى ألا إنهم هم المفسدون عندنا وعندهم إذ لم يستمتعوا بها على ما يريدون ولكن لا يشعرون باتحاد الأشياء ولو شعروا ما آمنوا ولا كفروا (وصل) وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون وذلك أنهم لما انتظموا في سلك الأغيار أتاهم النداء أن يقفوا على منازل الشهداء فسمعوا الخطاب في الأينية آمنوا كما آمن الناس فحجبوا عن أخذ العهد بعهد الحس والداعي الجنسي وأصمهم ذلك وأعمى أبصارهم وأغطش ليل جهالتهم فقالوا أنؤمن كما آمن السفهاء لما عدل
(١١٦)