وقد تقدم الكلام في المراد بالطواف والصلاة في طواف القدوم إلا أنه ما نبهنا على اتخاذ مقام إبراهيم مصلى لننال ما ناله من الخلة على قدر ما يعطيه حالنا فإن الله أمرنا أن نتخذه مصلى ونبهنا على ما تأولناه صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لنا قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد والمؤمنون آله كما صليت على إبراهيم وما اختص به إلا الخلة فلما دعونا بها لرسول الله صلى الله عليه وسلم أجاب الله دعاءنا فيه لنتخذ عنده يدا بذلك فصلى الله عنه علينا بذلك عشرا فقام تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم بالمكافأة عناية منه به عليه السلام وتشريفا لنا حيث لم تكمل المكافاة في ذلك لملك ولا غيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك لما حصلت الإجابة من الله فيما دعوناه فيه لنبيه صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم يعني نفسه خليل الله ولو صحت له هذه الخلة من قبل دعاء أمته له بذلك لكان غير مفيد صلاتنا عليه أي دعاءنا له بذلك فإن قيل قد حصلت الخلة بدعاء الصحابة أو لا فما فائدة دعائنا ونحن مأمورون في هذا الوقت بالصلاة عليه مع حصول الخلة فهكذا حكم الأول فربما نال الخلة قبل دعاء أصحابه وتكون نسبة دعائهم بها له كدعائنا اليوم قلنا حكم الخلة ما ظهر هنا وإنما يظهر ذلك في الآخرة والحكم للمعنى لا يكون إلا بعد حصول المعنى فمتى قام المعنى بمحل وجب حكمه لذلك المحل ففي الآخرة تنال الخلة لظهور حكمها هناك وأما الذي يظهر هنا منها لوامع تبدو وتؤذن بأنه قد أهل لها واعتنى به هذا هو الصحيح والجواب الأول أن لكل نفس منا حظا من محمد صلى الله عليه وسلم وهو الصورة التي في باطنه أعني في باطن كل إنسان منه صلى الله عليه وسلم فهو في كل نفس بصورة ما يعتقد فيه كل شخص فيدعو له بالصلاة عليه المذكورة صلى الله عليه وسلم فتنال تلك الصورة المحمدية التي عنده تلك الحال المدعو بها بدعائه والصلاة عليه فما حصلت له الخلة من هذا الوجه إلا بعد دعاء كل نفس وهكذا يجده أهل الله في كشفهم فاعلم ذلك (واقعة) اعلم وفقك الله بينا أنا أكتب هذا الكلام في مقام إبراهيم الخليل عليه السلام ومقامه عليه السلام قوله تعالى فيه وإبراهيم الذي وفى لأنه وفى بما رأى من ذبح ابنه أخذتني سنة فإذا قائل من الأرواح أرواح الملأ الأعلى يقول لي عن الله تعالى ادخل مقام إبراهيم وهو أنه كان أواها حليما ثم تلا على إن إبراهيم لأواه حليم فعلمت إن الله تعالى لا بد أن يعطيني من الاقتدار ما يكون معه الحلم إذ لا حليم عن غير قدرة على من يحلم عنه وعلمت إن الله تعالى لا بد أن يبتليني بكلام في عرضي من أشخاص فأعاملهم مع القدرة عليهم بالحلم عنهم ويكون أذى كثير فإنه جاء حليم ببنية المبالغة وهي فعيل ثم وصف بالأواه وهو الذي يكثر منه التأوه لما يشاهده من جلال الله وكونه ما في قوته مما ينبغي أن يعامل به ذلك الجلال الإلهي من التعظيم إذ لا طاقة للمحدث على ما يقابل به جلال الله من التكبير والتعظيم فهذا أيضا من قصدنا مقام إبراهيم لنتخذه مصلى أي موضع دعاء في صلاة أو أثر صلاة لنيل هذا المقام والصفة التي هي نعت إبراهيم خليل الله وحاله ومقامه فنرجو إن يكون لنا نصيب من الخلة كما حصل من درجة الكمال والختام والرفعة السارية في الأشياء في هذه الأمة الحظ الوافر بالبشرى في ذلك ومن مقام إبراهيم أيضا أنه كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم مطلق الشرك المعفو عنه والمذموم فيما نسب إليه من قوله في الكوكب هذا ربي ومن مقام إبراهيم أيضا عليه السلام أنه أوتي الحجة على قومه بتوحيد الله وأنه شاكر لأنعمه اجتباه فهو مجتبى وهداه أي وفقه بما أبان له إلى صراط مستقيم وهو صراط الرب الذي ورد في قول هود إن ربي على صراط مستقيم ومن مقامه عليه السلام أيضا أنه كان حنيفا مائلا في جميع أحواله من الله إلى الله عن مشاهدة وعيان ومن نفسه إلى الله عن أمر الله وإيثار لجناب الله بحسب المقام الذي يقام فيه والمشهد الذي يشهده ومن كل ما ينبغي أن يمال عنه عن أمر الله ومن مقامه عليه السلام أيضا أنه كان مسلما منقاد إلى الله عند كل دعاء يدعوه إليه من غير توقف والأمة معلم الخير فنرجو ما نورده من هذا العلم للناس أن يكون حظي من تعليم الخير وأن نقوم ونختص بأمر واحد من جانب الله أي من العلم به مما لا نشارك فيه نقوم فيه مقام الأمة لانفرادي به والقانت المطيع لله فأرجو إن أكون ممن أطاع الله في السر والعلانية ولا تكون الطاعة إلا عند المراسم الإلهية والأوامر الموقوفة على الخطاب فأرجو إن أكون ممن يأمره الله في سره فيمتثل مراسمه بلا واسطة ومن مقامه عليه السلام أيضا الصلاح والصلاح
(٧٢٢)