القرآن وبعد أن علمنا كيف نناجيه سبحانه وبما ذا نناجيه فالعالم العاقل الأديب مع الله إذا دخل في الصلاة أن لا يناجيه إلا بقراءة أم القرآن فكان هذا الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه عن ربه تعالى مفسرا لما تيسر من القرآن وإذا ورد أمر مجمل من الشارع ثم ذكر الشارع وجها خاصا مما يكون تفسيرا لذلك المجمل كان الواجب عند الأدباء من العلماء أن لا يتعدوا في تفسير ذلك المجمل ما فسره به قائله وهو الله تعالى وأن يقفوا عنده وشرع المناجاة بالكلام الإلهي في حال القيام في الصلاة خاصة دون غيره من الأحوال لوجود صفة القيومية من كون العبد قائما في الصلاة والله قائم على كل نفس بما كسبت وهنا علم كبير في قيام العبد بكلام الرب وما له حديث إلا مع ربه بكلام ربه ما دام قائما فلمن يترجم وعمن يترجم ومن هو المترجم وما تكسب النفس التي هو قائم عليها ومن هو العبد حتى يقول السيد جل جلاله يقول العبد كذا فيقول الله كذا لولا العناية الإلهية والتفضل الرباني فإن قيل قد فهمنا ما أشرت به من صفة القيام والرفع من الركوع قيام ولا قراءة فيه قلنا الرفع من الركوع إنما شرع للفصل بينه وبين السجود فلا يسجد إلا من قيام فلو سجد من ركوع لكان خضوعا من خضوع ولا يصح خضوع من خضوع لأنه عين الخروج عما يوصف بالدخول فيه فإن التواضع لا يكون إلا من رفعة فإن المهين النفس إذا ظهر منه التواضع فيما يرى فليس بتواضع وإنما ذلك مهانة نفس فيكون لا خضوع مثل عدم العدم هو عين الوجود فلهذا فصل بين السجدتين برفع ليفصل بين السجدتين حتى تتميز كل واحدة منهما بالفاصل الذي فصل بينهما فيعلم إن نم أمرا آخر وإن اشتركتا في الصورة مثل قوله وأتوا به متشابها كما لا نشك في حقيقة كلمة لا إله إلا الله من حيث ما هي لا إله إلا الله وقد ظهرت بالصورة في ستة وثلاثين موضعا من القرآن ويعلم صاحب الذوق أن حكمها يختلف في الطعم باختلاف الموضع الذي ظهرت فيه فإن كنت تفهم كتشابه ركعات الصلاة في الصورة ولكل ركعة طعم ومذاق ما هو للأخرى كانت ما كانت ولا شك إذا فصل بين المثلين بالنقيض تميزا ومن الآداب مع الملوك إذا حيوا حيوا بالانحناء وهو الركوع أو بوضع الوجه على الأرض وهو السجود تعظيما لهم وإذا توجهوا أو أثنى عليهم قام المثنى أو المكلم لهم بين أيديهم لا يكلمهم جالسا ولا في غير حال من أحوال القيام هذا هو الأدب المعروف ممن هو دون الملك مع الملك فكيف بمن هو عبد له لا يقبل الحرية وأما القرآن فلما كان المعقول في اللسان المعروف من إطلاق هذا اللفظ الجامع والصلاة حالة يجتمع العبد فيها على سيده كما هي حالة أيضا جامعة بين الله وبين عبده حيث قسمها الله بينه وبين عبده في الصلاة وقعت المناسبة بين القرآن وبين الصلاة فلم ينبغ أن يقرأ فيها بغير القرآن ولما كان القيام يشبه الألف من الحروف الرقمية وهو أصل الحروف اللفظية وعنه ظهرت جميع الحروف بانقطاعه في مخارجها من الصدر إلى الشفتين فهو الجامع لأعيان الحروف وأعيان الحروف مراتبه ومنازله في خروجه وسفره من القلب الذي هو عالم الغيب إلى الشهادة كان القيام جامعا لأنواع الهيئات وأصولها من ركوع وسجود وجلوس وإن كان الجلوس له من وجه شبه بالقيام لأنه نصف قيام فكانت قراءة القرآن من كونها جمعا في القيام أولى فإن القيام هو الحركة المستقيمة والاستقامة هي المطلوبة من الله أن يوفق لها العبد فالعبد يقول اهدنا الصراط المستقيم لكون الله تعالى قال له فاستقم كما أمرت فتعين بما ذكرناه في مجموعه وجوب قراءة أم القرآن في الصلاة في ركعة إذ كانت أقل ما ينطلق عليه اسم صلاة شرعا وهي الوتر وقد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم بواحدة أو ترجيحها على غيرها من آي القرآن وإذا كان المتعين على المصلي في القيام قراءة أم القرآن إما بالوجوب وإما بالأولوية فلنبين في ذلك صورة قراءة العلماء بالله لها في مناجاتهم في الصلاة (وصل في وصف هذه الحال) اعلم أن المصلي لما كان ثانيا كما قررناه في الاشتقاق وأن كونه ثانيا ليس بأمر حقيقي وإنما كان ذلك بالإضافة إلى شهادة التوحيد في الايمان فتلك تثنية الايمان أي ظهوره في موطنين في موطن الشهادة وموطن الصلاة كما نثلثه مع الزكاة فما زاد ولهذا ذكر الله الزيادة في الايمان فقال فزادتهم إيمانا وهو عين واحدة والكثرة إنما هي في ظهوره في المواطن كالواحد المظهر للاعداد المكثر لها وهو في نفسه لا يتكثر ألا تراه إذا خلت مرتبة عنه لم يبق لتلك المرتبة حكم ولا عين وفي معنى هذا يقول الله فيمن قال نؤمن ببعض ونكفر ببعض أولئك هم الكافرون حقا فنفى عنهم الايمان كله إذ نفوه من
(٤١٤)