جعل لهم ذلك اليوم عيد الفرحة بالولاية فأطعمهم فيه وسقاهم ولست أعني بالشريك الذي عبدوه واستندوا إليه وإنما أعني بالشريك صورته القائمة بنفوسهم لا عينه فهو الذي أعطاهم السرور في هذا اليوم وجعله عيدا لهم وأما الذين جعلوه شريكا لله فلا يخلو ذلك المجعول أن يرضى بهذا المحال أو لا يرضى فإن رضي كان بمثابتهم كفرعون وغيره وإن لم يرض وهرب إلى الله بما نسبوا إليه سعد هو في نفسه ولحق الشقاء بالناصبين له فمن صامه بهذا الشهود فهو صوم مقابلة ضد لبعد المناسبة بين المشرك والموحد فأراد أن يتصف أيضا في حكمه في ذلك اليوم بصفة التقابل بالصوم الذي يقابل فطرهم ولذلك كان يصومه صلى الله عليه وسلم (وصل في فصل صوم يوم الأحد) فمن اعتبر ما ذكرناه من هذا الشهود فإنه يوم عيد للنصارى صامه لمخالفتهم ومن اعتبر فيه أنه أول يوم اعتنى الله فيه بخلق الخلق في أعيانهم صامه شكر الله تعالى فقابله بعبادة لا مثل لها فاختلف قصد العارفين في صومهم ومن العارفين من صامه لكونه الأحد خاصة والأحد صفة تنزيه للحق والصوم صفة تنزيه ورتبة منيعة الحمى لما في الصوم من التحجير على الصائم عن الحظ النفسي من الإفطار والاستمتاع من الجماع والتنزيه عن المذام فالصائم محجور عليه إن يغتاب أو يرفث أو يجهل أو يتصف بمذموم شرعا في تلك الحال فوقعت المناسبة بينه وبين الأحد في صفة التنزيه فصامه لذلك وكل له شرب معلوم فعامله بأشرف الصفات ولهذا كان للصوم من الطبيعة الحرارة واليبوسة لفقد الغذاء وهو ضد ما تطلبه الطبيعة فإنها تطلب لأجل الحياة الحرارة لا منفعلها وتطلب الرطوبة التي هي منفعلة عن البرودة فقابلها الصائم بالضد فقابلها بالأصل ومنفعله فإنه مأمور بمخالفة النفس والنفس طبيعة محضة منازعة للإله بذاتها لتوقف وجود عالم الأجسام كله عليها ولولاها لم يظهر لعالم الأجسام عين فزهت وتاهت لذلك فقيل للروح المدبر لهذا الجسم العنصري المأمور بحفظ الاعتدال على هذا الجسد والنظر في مصالحه إذا رأيت النفس الطبيعية في هذا المقام من الزهو والخيلاء فامنعها عن الطعام والشراب والاستمتاع بالجماع بنية المخالفة لها ونية التنزيه عما تتخيله الطبيعة إنك مفتقر إليها في ذلك ولتعلم الطبيعة أنها محكوم عليها فتذل تحت العبودة والافتقار لطلب الغذاء من هذا المدبر لهذا الهيكل فسمى مثل هذا التدبير صوما فإن منعها عن ذلك كله لصلاح المزاج لا يسمى صوما وذلك الفعل للروح إنما هو من تدبير الطبيعة فسمى مثل هذا حمية لا صوما فإن نوى الروح بهذه الحمية ومساعدة الطبيعة فيما أمرته به صلاح مزاج هذا البدن لأجل عبادة الله وأن يقوم بجميع ما أمره الله به من العبادة في حركاته وسكناته التي لا تظهر منه إلا بصلاح المزاج أجر في تلك الحمية وإن لم تكن صوما فهذا قد أبنت لك بعض أسرار صوم يوم الأحد (وصل في فصل إن التجلي المثالي الرمضاني وغيره إذا كان فهو لوقته) خرج مسلم في صحيحه عن أبي البختري قال لقينا ابن عباس فقلنا إنا رأينا الهلال فقال بعض القوم هذا ابن ثلاث وقال بعض القوم هو ابن ليلتين فقال أي ليلة رأيتموه فقلنا ليلة كذا وكذا فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله مده للرؤية فهو لليلة رأيتموه قالت السادة من أهل الله الحكم للوقت والإنسان أو الصوفي ابن وقته لا يحكم عليه ماض ولا مستقبل غير أن الإنسان لا يعرف أنه ابن وقته مع حكم الوقت عليه والصوفي يعلم أنه بحكم وقته كذا هو في نفس الأمر فلهذا قلنا إن الصوفي ابن وقته لاطلاعه على ذلك ولعلمه أنه فيما يحكم عليه به وفيه أثر النبوة وما كل إنسان يعلم ذلك مع أنه كذا في نفس الأمر فمتى ما ظهر للإنسان هذا الحكم واتصف على علم بأنه ابن وقته فذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم هو لليلة رأيتموه فإنا نعلم قطعا إذا كان الهلال في الشعاع إنه متجل لنا ولكنا لا نراه كما نعلم قطعا إن الكواكب في السماء بالنهار متجلية لنا ولكنا لا نراها لضعف الإدراك البصري فلا ننسب إليه فإذا رأيناه فإنه الوقت الذي نراه فيه لنعلمه فيحكم علينا بما يعطيه ذلك التجلي فإن كان رمضان أثر فينا نية الصوم وإن كان هلال فطر أثر فينا نية الفطر وإن لم يكن إلا هلال شهر من الشهور أثر فينا العلم بزوال حكم الشهر الذي انقضى وحكم الشهر الذي هذا هلاله وتختلف أحوال الناس فتمتاز الأوقات به لانقضاء الآجال في كل شئ من المبايعات والمداينات والأكرية وأفعال
(٦٤٧)