مؤيدا عنده لما نطقت به الكتب المنزلة وجاء على ألسنة الرسل عليهم السلام فكان يطلقها إيمانا حاكيا من غير تحقيق لمعانيها ولا يزيد عليها والآن يطلق في نفسه عليه تعالى ذلك علما محققا من أجل ذلك الأمر الذي تجلى له فيكون بحسب ما يعطيه ذلك الأمر ويعرف معنى ما يطلقه وما حقيقة ذلك فيتخيل في أول تجل أنه قد بلغ المقصود وحاز الأمر وأنه ليس وراء ذلك شئ يطلب سوى دوام ذلك فيقوم له تجل آخر بحكم آخر ما هو ذلك الأول والمتجلي واحد لا يشك فيه فيكون حكمه فيه حكم الأول ثم تتوالى عليه التجليات باختلاف أحكامها فيه فيعلم عند ذلك أن الأمر ما له نهاية يوقف عندها ويعلم أن الإنية الإلهية ما أدركها وأن الهوية لا يصح أن تتجلى له وأنها روح كل تجل فيزيد حيرة لكن فيها لذة وهي أعظم من حيرة أصحاب الأفكار بما لا يتقارب فإن أصحاب الأفكار ما برحوا بأفكارهم في الأكوان فلهم أن يحاروا ويعجزوا وهؤلاء ارتفعوا عن الأكوان وما بقي لهم شهود إلا فيه فهو مشهودهم والأمر بهذه المثابة فكانت حيرتهم باختلاف التجليات أشد من حيرة النظار في معارضات الدلالات عليه فقوله صلى الله عليه وسلم أو قول من يقول من هذا المقام زدني فيك تحيرا طلب لتوالي التجليات عليه فهذا الفرق بين حيرة أهل الله وحيرة أهل النظر فصاحب العقل ينشد وفي كل شئ له آية * تدل على أنه واحد وصاحب التجلي ينشد قولنا في ذلك وفي كل شئ له آية * تدل على أنه عينه فبينهما ما بين كلمتيهما فما في الوجود إلا الله ولا يعرف الله إلا الله ومن هذه الحقيقة قال من قال أنا الله كأبي يزيد وسبحاني كغيره من رجال الله المتقدمين وهي من بعض تخريجات أقوالهم رضي الله عنهم فمن وصل إلى الحيرة من الفريقين فقد وصل غير أن أصحابنا اليوم يجدون غاية الألم حيث لا يقدرون يرسلون ما ينبغي أن يرسل عليه سبحانه كما أرسلت الأنبياء عليهم السلام فما أعظم تلك التجليات وإنما منعهم أن يطلقوا عليه ما أطلقت الكتب المنزلة والرسل عليهم السلام عدم إنصاف السامعين من الفقهاء وأولي الأمر لما يسارعون إليه في تكفير من يأتي بمثل ما جاءت به الأنبياء عليهم السلام في جنب الله وتركوا معنى قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة كما قال له صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل عند ذكره الأنبياء والرسل عليهم السلام أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فأغلق الفقهاء هذا الباب من أجل المدعين الكاذبين في دعواهم ونعم ما فعلوا وما على الصادقين في هذا من ضرر لأن الكلام والعبارة عن مثل هذا ما هو ضربة لازب وفي ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كفاية لهم فيوردونها يستريحون إليها من تعجب وفرح وضحك وتبشش ونزول ومعية ومحبة وشوق وما أشبه ذلك مما لو انفرد بالعبارة عنه الولي كفر وربما قتل وأكثر علماء الرسوم عدموا علم ذلك ذوقا وشربا فأنكروا مثل هذا من العارفين حسدا من عند أنفسهم إذ لو استحال إطلاق مثل هذا على الله تعالى ما أطلقه على نفسه ولا أطلقته رسله عليهم السلام عليه ومنعهم الحسد أن يعلموا أن ذلك رد على كتاب الله وتحجير على رحمة الله أن تنال بعض عباد الله وأكثر العامة تابعون للفقهاء في هذا الإنكار تقليدا لهم لا بل بحمد الله أقل العامة وأما الملوك فالغالب عليهم عدم الوصول إلى مشاهدة هذه الحقائق لشغلهم بما دفعوا إليه فساعدوا علماء الرسوم فيما ذهبوا إليه إلا القليل منهم فإنهم اتهموا علماء الرسوم في ذلك لما رأوه من انكبابهم على حطام الدنيا وهم في غنى عنه وحب الجاه والرياسة وتمشية أغراض الملوك فيما لا يجوز وبقي العلماء بالله تحت ذل العجز والحصر معهم كرسول كذبه قومه وما آمن به واحد منهم ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزل والله يعصمك من الناس فانظر ما يقاسيه في نفسه العالم بالله فسبحان من أعمى بصائرهم حيث أسلموا وسلموا وآمنوا بما به كفروا فالله يجعلنا ممن عرف الرجال بالحق لا ممن عرف الحق بالرجال والحمد لله رب العالمين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الحادي والخمسون في معرفة رجال من أهل الورع قد تحققوا بمنزل نفس الرحمن) يا من تحقق بالنفس * إن الكلام لفي القبس
(٢٧٢)