الذي يقرض الله قرضا حسنا فيأخذ الزكاة الغارم الأول الذي أعطى على الوجوب الصدقة بحكم الوجوب أي أنها تجب له ويأخذها الثاني باختيار المصدق حيث ميزه دون غيره ولا سيما في مذهب من يرى في عدد هؤلاء الأصناف أنه حصر المصرف في هؤلاء المذكورين أي لا يجوز أن تعطي لغيرهم فإذا أعطيت لصنف منهم دون صنف فقد برئت الذمة وهي مسألة خلاف فهذا المقرض بآية من ذا الذي يقرض الله وإن تقرضوا الله لا يأخذها بحكم الوجوب والمقرض بآية الأمر يأخذها بحكم الوجوب لأن المأمور أدى واجبا فجزاؤه واجب وكان حقا علينا نصر المؤمنين فإن الايمان واجب فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون وهذه كلها واجبات فأوجب الجزاء بالرحمة لهم بلا شك وفي سبيل الله فيمكن إن يريد المجاهدين والإنفاق منها في الجهاد فإن العرف في سبيل الله عند الشرع هو الجهاد وهو الأظهر في هذه الآية مع أنه يمكن أن يريد بسبيل الله سبل الخير كلها المقربة إلى الله فأما هذا الصنف بحكم ما يقتضيه الطريق فسبيل الله ما يعطيه هذا الاسم الذي هو الله دون غيره من الأسماء الحسنى الإلهية فيخرجها فيما تطلبه مكارم الأخلاق من غير اعتبار صنف من أصناف المخلوقين كرزق الله عباده بل ما تقتضيه المصلحة العامة لكل إنسان بل لكل حيوان ونبات حتى الشجرة يراها تموت عطشا فيكون عنده بما يشترى لها ما يسقيها به من مال الزكاة فيسقيها بذلك فإنه من سبيل الله ولا قائل بهذا وإن أراد المجاهدين فالمجاهدون معلومون بالعرف من هم والمجاهدون أنفسهم أيضا في سبيل الله فيعاونون بذلك على جهاد أنفسهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر يريد جهاد النفوس ومخالفتها في أغراضها الصارفة عن طريق الله تعالى وابن السبيل وأبناء السبيل معلومون وهم في الاعتبار أبناء طريق الله لأن الألف واللام للتعريف فهما بدل من الإضافة ونصيب هؤلاء من الزكاة التي هي الطهارة الإلهية التي ذكرناها فيما قبل (وصل متمم) ثم لتعلم وفقك الله أن الأمور التي يتصرف فيها الإنسان حقوق الله كلها غير أن هذه الحقوق وإن كانت كثيرة فإنها بوجه ما منحصرة في قسمين قسم منهما حق الخلق لله وهو قوله صلى الله عليه وسلم إن لنفسك عليك حقا ولعينك عليك حقا ولزورك عليك حقا والقسم الآخر حق الله لله وهو قوله صلى الله عليه وسلم لي وقت لا يسعني فيه غير ربي وهذا الحق الذي لله هو زكاة الحقوق التي للخلق لله وهذه الحقوق بجملتها في ثمانية أصناف العلم والعمل وهما بمنزلة الذهب والفضة ومن الحيوان الروح والنفس والجسم في مقابلة الغنم والبقر والإبل ومن النبات الحنطة والشعير والتمر وفي الاعتبار ما تنبته الأرواح والنفوس والجوارح من العلوم والخواطر والأعمال الغنم للروح والبقر للنفس والإبل للجسم وإنما جعلنا الغنم للأرواح لأن الله جعل الكبش قيمة روح نبي مكرم فقال وفديناه بذبح عظيم فعظمه وجعله فداء ولد إبراهيم نبي ابن نبي فليس في الحيوان بهذا الاعتبار أرفع درجة من الغنم وهي ضحايا هذه الأمة ألا تراها أيضا قد جعلت حق الله في الإبل وهو في كل خمس ذود شاة وجعلت مائة من الإبل فداء نفس ليس برسول ولا نبي فانظر أين مرتبة الغنم من مرتبة الإبل ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالصلاة في مرابض الغنم والصلاة قربة إلى الله وأماكنها مساجد الله فمرابض الغنم من مساجد الله فلها درجة القربة والإبل ليست لها هذه المرتبة وإن كانت أعظم خلقا ولهذا جعلناها للأجسام ألا ترى أنه من أسمائها البدنة والجسم يسمى البدن والبدن من عالم الطبيعة والطبيعة بينها وبين الله درجتان من العالم وهما النفس والعقل فهي في ثالث درجة من القربة فهي بعيدة عن القرب الإلهي ألا ترى النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في معاطن الإبل وعلل ذلك بكونها شياطين والشيطنة البعد يقال ركية شطون إذا كانت بعيدة القعر والصلاة قرب من الله والبعد يناقض القرب فنهي عن الصلاة في معاطن الإبل لما فيها من البعد وكذلك الجسم الطبيعي أين هو من درجة القربة التي للروح وهو العقل فإنه الموجود الأول وهو المنفوخ منه في قوله ونفخت فيه من روحي فلهذا جعلنا الروح بمنزلة الكبش والجسم بمنزلة الإبل وأما كون البقر في مقابلة النفوس وهي دون الغنم في الرتبة وفوق الإبل كالنفس فوق الجسم ودون العقل الذي هو الروح الإلهي وذلك أن بني إسرائيل لما قتلوا نفسا وتدافعوا فيها أمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوا الميت ببعضها فيحيي بإذن الله فلما حيي
(٥٦٤)