أن يسبح الله ثلاثة فما زاد في ركوعه بما أمر به وفي سجوده ثلاثة فما زاد بما أمر به وذلك أدناه وأمره محمول على الوجوب ولهذا رأى بعض العلماء وهو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه أن ذلك واجب وأنه من لم يسبح ثلاث مرات في ركوعه وسجوده لم تجز صلاته وقال الله تعالى استعينوا على ذكري وشكري بالصبر والصلاة فلو لا ما علم الحق أن الصلاة معينة للعبد لما أمره بها فأنزلها منزلة نفسه فإن الله قال للعبد قل وإياك نستعين يعني في عبادتك فجعل للعبد أن يستعين بربه وأمره أن يستعين في ذكره وشكره بالصلاة فأنزل الصلاة منزلة نفسه وفي معونة العبد على ذكره وشكره وناهيك يا ولي الله من حالة وصفة وحركات وفعل أنزله الحق في أعظم الأشياء وهو ذكر الله منزلة نفسه فكأنه من دخل في الصلاة فقد التبس بالحق والحق هو النور ولهذا قال الصلاة نور فأنزلها منزلة نفسه قال صلى الله عليه وسلم وجعلت قرة عيني في الصلاة وقرة عيني ما تسر به عند الرؤية والمشاهدة فالمصلي متلبس في صلاته بالحق مشاهد له مناج فجمعت الصلاة بين هذه الثلاثة الأحوال وكذلك قوله في هذه الآية واشكروا لي يقال شكرته وشكرت له فشكرته نص في أنه المشكور عينه وقوله وشكرت له فيه وجهان الوجه الواحد أن يكون مثل شكرته والوجه الثاني أن يكون الشكر من أجله فإذا كان الشكر من أجله يقول له سبحانه اشكر من أولاك نعمة من عبادي من أجلي ليكون شكره للسبب عين شكره لله فإنه شكره عن أمره وجعل المنعم هنا نائبا عن ربه وطاعة النائب طاعة من استخلفه من يطع الرسول فقد أطاع الله فلهذا قال سبحانه واشكروا لي ولم يقل واشكروني ليعم الحالتين وقال في الوجهين استعينوا في ذلك بالصبر والصلاة كما أمر بالمعونة فيما يوجب الشكر وهو الإحسان بالإنعام فقال وتعاونوا على البر وهو الإحسان بالإنعام والتقوى أي اجعلوا ذلك وقاية وهي مناسبة للصلاة فإن الصلاة وقاية عن الفحشاء والمنكر ما دام العبد متلبسا بها فإن الله سمي نفسه بالواقي والصلاة واقية والعبد متلبس بصلاته وهي وقاية مما ذكرناه والله هو الواقي فانظر ما أشرف حال الصلاة لمن نظر واستبصر فالسعيد من ثابر عليها وحافظ وداوم ومن شرفها أن الله ما علق الوعيد إلا بمن سها عنها لا فيها فقال فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ولم يقل في صلاتهم فإن العبد في صلاته بين مناج ومشاهد فقد يسهو عن مناجاته لاستغراقه في مشاهدته وقد يسهو عن مشاهدته لاستغراقه في مناجاته مما يناجيه به من كلامه ولما كان كلامه سبحانه مخبرا عما يجب له من صفات التنزيه والثناء ومخبرا عما يتعلق بالأكوان من أحكام وقصص وحكايات ووعد ووعيد جال الخاطر في الأكوان لدلالة الكلام عليها وهو مأمور بالتدبر في التلاوة فربما استرسل في ذلك الكون لمشاهدته إياه فيه فيخرج من كون ذلك الكون مذكورا في القرآن إلى عينه خاصة لا من كونه مذكورا لله على الحد الذي أخبر به عنه فيسمى مثل هذا إذا أثر شكا له في صلاته فلا يدري ما مضى من صلاته فشرع إن يسجد سجدتي سهو يرغم بهما الشيطان ويجبر بهما النقصان ويشفع بهما الرجحان فتتضاعف صلاته فيتضاعف الأجر وذلك في النفل والفرض سواء وما توعد الله بمكروه من سها في صلاته فمن تنبه لما ذكرناه وأومأنا إليه يعلم فضل الله ورحمته بعباده والناس عن مثل هذا غافلون فلا يعرف شرف العبادات إلا عباد الله الذين ليس للشيطان عليهم سلطان ولا برهان جعلنا الله وإياكم ممن صبر وصلى وسبق وما صلى بمنه ويمنة (وصل في اختلاف الصلاة) والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة يختلف حكمها باختلاف أحوال المصلي إذا كان المصلي مخلوقا والمصلي له وتختلف باختلاف المصلى عليه إذا كان المصلي هو الله تعالى فأما الأول فمعلوم إن الإنسان محل التغيير واختلاف الأحوال عليه فتختلف صلاته لاختلاف أحواله وقد تقدم من اختلاف أحوال المصلين ما قد ذكرناه في هذا الباب مثل صلاة المريض وصلاة الخائف وأن اختلافها باختلاف حال المصلي من أجله مثل صلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء وأما اختلافها باختلاف المصلى عليه فمثل صلاة الحق على عباده قال تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه فسأل المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية الصلاة التي أمرهم الله أن يصلوها عليه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أي مثل
(٥٤٤)