لما أتى الطالبون قصدا * لنيل شئ فذاك جوزوا فيا عبيد الكيان حوزوا * هذا الذي ساقكم وجوزوا الرمز واللغز هو الكلام الذي يعطي ظاهره ما لم يقصده قائله وكذلك منزل العالم في الوجود ما أوجده الله لعينه وإنما أوجده الله لنفسه فاشتغل العالم بغير ما وجد له فخالف قصد موجدة ولهذا يقول جماعة من العلماء العارفين وهم أحسن حالا ممن دونهم إن الله أوجدنا لنا والمحقق والعبد لا يقول ذلك بل يقول إنما أوجدنا له لا لحاجة منه إلي فإنا لغز ربي ورمزه ومن عرف أشعار الألغاز عرف ما أردناه وأما قوله لما أتى الطالبون قصد النيل شئ بذاك جوزوا من المجازات يقول من طلب الله لأمر فهو لما طلب ولا ينال منه غير ذلك وقوله فيا عبيد الكيان يقول من عبد الله لشئ فذلك الشئ معبوده وربه والله برئ منه وهو لما عبده وقوله حوزوا أي خذوا ما جئتم له أي بسببه وجوزوا أي روحوا عنا فإنكم ما جئتم إلينا ولا بسببنا (منزل الدعاء) هذا المنزل يحتوي على منازل منها منزل الأنس بالشبيه ومنزل التغذي ومنزل مكة والطائف والحجب ومنزل المقاصير والابتلاء ومنزل الجمع والتفرقة والمنع ومنزل النواشي والتقديس وفي هذا المنزل قلت لتايه الرحمن فيك منازل * فأجب نداء الحق طوعا يا فل رفعت إليك المرسلات أكفها * ترجو أنوال فلا يخيب السائل أنت الذي قال الدليل بفضله * ولنا عليه شواهد ودلائل لولا اختصاصك بالحقيقة ما زهت * بنزولك الأعلى لديه منازل يقول إن نداء الحق عباده إنما هو لسان المرسلات تطلب اسما من أسمائه وذلك العبد في ذلك الوقت تحت سلطانها والمرسلات لطائف الخلق ترفع أكفها إلى من هي في يديه من الأسماء لتجود به على من يطلبها من الأسماء والمسؤول أبدا إنما هو من له المهيمنية على الأسماء كالعليم الذي له التقدم على الخبير والحسيب والمحصي والمفضل ولهذا قال أنت الذي قال الدليل بفضله والحقيقة التي اختص بها إحاطته بما تحته في الرتبة من الأسماء الإلهية إذ القادر في الرتبة دون المريد والعالم في الرتبة فوق المريد والحي فوق الكل فالمنازل التي تحت إحاطة الاسم الجامع تفتخر بنزوله إليها إجابة لسؤالها (منزل الأفعال) وهو يشتمل على منازل منها منزل الفضل والإلهام ومنزل الإسراء الروحاني ومنزل التلطف ومنزل الهلاك وفي هذه المنازل أقول لمنازل الأفعال برق لامع * ورياحها تزجي السحاب زعازع وسهامها في العالمين نوافذ * وسيوفها في الكائنات قواطع ألقت إلى العز المحقق أمرها * فالعين تبصر والتناول شاسع الناس في أفعال العباد على قسمين طائفة ترى الأفعال من العباد وطائفة ترى الأفعال من الله وكل طائفة يبدو لها مع اعتقادها ذلك شبه البرق اللامع في ذلك يعطيها آن للذي نفى عنه ذلك الفعل نسبة ما وكل طائفة لها سحاب يحول بينها وبين نسبة الفعل لمن نفته عنه وقوله في رياحها إنها شديدة أي الأسباب والأدلة التي قامت لكل طائفة على نسبة الأفعال لمن نسبتها إليه قوية بالنظر إليه ووصف سهامها بالنفوذ في نفوس الذين يعتقدون ذلك وكذلك سيوفها فيهم قواطع وقوله إنها ألقت إلى العز أي احتمت بحمى مانع يمنع المخالف أن يؤثر فيه فيبقى على هذا كل أحد على ما هي إرادة الله فيه قال تعالى زينا لكل أمة عملهم وقوله فالعين تبصر يقول الحس يشهدان الفعل للعبد والإنسان يجد ذلك من نفسه بما له فيه من الاختيار وقوله التناول شاسع أي ونسبته إلى غير ما يعطيه الحس والنفس بعيد المتناول إلا أنه لا بد فيه من برق لامع يعطي نسبة في ذلك الفعل لمن نفى عنه لا يقدر على جحدها (منزل الابتداء) ويشتمل على منازل منها منزل الغلظة والسبحات ومنزل التنزلات والعلم بالتوحيد الإلهي ومنزل الرحموت ومنزل الحق والفزع وفي هذا المنزل أقول للابتداء شواهد ودلائل * وله إذا حط الركاب منازل
(١٧٤)