أولى فإن الزيادة محققة والربح هناك متوهم فإن الله صادق في إخباره ثم إن الشاكر الذي له هذه الزيادة المحققة بشكره هو في أهله لا يفارق وطنه ولا أهله ولا ولده ولا يغري بنفسه ولا يركب الأخطار ولا يتعب بدنه ولو تصدق بماله كله فهو كتاجر باع بنسيئة فهو له مدخر يجده يوم فقره وحاجته عند الله فإن رزقه الذي تقوم به نشأته وأرزاق عياله لا بد منها يأتي بها الله كما قال لقمان يا بنى إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير فهذا تاجر باع بنسيئة إلى أجل وأجله زمان القيامة فهو حلول الأجل فهذا يا أخي حكمة تحويل الرداء (وصل اعتبار كيفية تحويله) وهو على ثلاث مراتب يجمعها كلها العالم إذا أراد أن يخرج من الخلاف الذي بين علماء الشريعة وهو أن يرد ظاهره باطنه وباطنه ظاهره وأعلاه أسفله وأسفله أعلاه والذي على يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه وكل ذلك تأكيد في الإشارة إلى تحويل الحالة التي هم عليها فأما اعتبار ظاهر الرداء وباطنه فهو تأثير أعمال ظاهره في باطنه أعني في قلبه بما تنتج له هذه الأعمال وأعمال باطنه أيضا المحمودة تظهر بالفعل على ظاهره مثل نيته أن يتصدق فيتصدق أو ينوي فعل خير ما فيفعله فما كان في باطنه قد ظهر بالفعل على ظاهره من أسر سريرة ألبسه الله رداءها ومن عمل عملا صالحا أثر له في نفسه وقلبه المحبة والطلب إلى الشروع في عمل آخر ولا سيما إن أنتج له ذلك العمل في الدنيا علما في نفسه كما قال صلى الله عليه وسلم من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يكن يعلم وقال تعالى إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا وأما تحويل أعلى الرداء وأسفله فهو إلحاق العالم الأعلى بالأسفل في التسخير وإلحاق العالم الأسفل بالأعلى في الطهارة والتقديس فينزل الأعلى رحمة بالأسفل ويرفع الأسفل عناية إلى رتبة الأعلى في النسبة إلى الله تعالى والافتقار إليه وإن الله كما توجه إلى أعلى الموجودات قدرا وهو القلم الإلهي والعقل الأول بما أعطاه من العلم والسعادة كذلك توجه إلى أدنى الموجودات قدرا وأشقاهم وأخسهم منزلة عند الله على حد واحد فإن الله من حيث ذاته ما فيه مفاضلة لأنه لا يتصف بالكل فيتحقق فيه البعض وما من جوهر فرد من العالم كله أعلاه وأسفله إلا وهو مرتبط بحقيقة إلهية ولا تفاضل في ذلك الجانب الأعز الأحمى فهو مستو على عرشه الأعلى ولو دليتم بحبل لهبط على الله اجتمع أربعة من الأملاك على الكعبة واحد نازل من السماء وآخر عرج من الأرض السفلي والثالث جاء من ناحية المشرق والرابع من ناحية المغرب فسأل كل واحد منهم صاحبه من أين جئت فكلهم قالوا من عند الله وروينا عن بعض شيوخنا حديثا يرفعه أو يبلغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله في السماء كما هو في الأرض وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم فساوى بين العالمين في الطلب ومعلوم ما بينهما من التفاوت في العرف واتفق لي في هذا المشهد ذوقا وذلك أني حملت في يدي شيئا محقرا بحيث يراه الناس ما كان يقتضيه منصبي في الدنيا وهو ذو رائحة خبيثة من هذا السمك المالح فتخيل أصحابي أني حملته مجاهدة لنفسي لعلو منصبي عندهم عن حمل مثل ذلك وقالوا لشيخي ما قصر فلان في مجاهدته فقال حتى نسأله بأي نية حمله فسألني الشيخ بحضور الجماعة وذكر لي ما ذكروه فقلت لهم أخطأتم في التأويل علي والله ما نويت شيئا من ذلك ولكني رأيت الله على علو قدره ما نزه نفسه عن خلق مثل هذا فأنزه نفسي عن حمله فشكرني الشيخ وتعجب الأصحاب وهو من هذا الباب بل والله في حملي إياه شرفي فإنه نظير القدرة في إيجاد عينه ولا فرق عند العارفين بين العالي والدون المعتاد هذا خلوف فمن الصائم عند الله أطيب من ريح المسك وأين إدراك الشم من الرائحتين فلا تنظروا في الأشياء المتفاضلة إلا بارتباطها بالحقائق الإلهية وإذا كان هذا نظركم فإنكم لا تحقرون شيئا من العالم فلا تقس الله ولا تحمله على نفسك وخذ الأشياء على ما تعطيها الحقائق وأما تحويل ما هو على اليمين إلى الشمال وبالعكس فاعتباره إن صفات السعداء في الدعاء الخشوع والذلة وهم أهل اليمين في الدنيا فتتحول هذه الصفة على أهل الشمال في الدار الآخرة فكان السعداء أخذوها منهم في الدنيا قال تعالى في حق السعداء الذين هم في صلاتهم خاشعون وقال خاشعين لله وقال أعني في عكس الصفة عليهم يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار وقال في حق الأشقياء في الدار الآخرة خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلي نارا حامية وتحويل آخر وهو أن يتصف العبد السعيد في الآخرة بما يتصف به العبد الشقي في الدنيا في الثروة
(٥٠٦)