منه وبين الماء فلم يحرم صيده أن يتناوله ولهذا جاء بلفظ البحر لاتساعه فإنه يعم وكذلك هو الأمر في نفسه فإنه ما من شئ من خلقه إلا وهو يسبح بحمده ولا يسبح إلا حي فسرت الحياة في جميع الموجودات فاتسع حكمها فناسب البحر في الاتساع فلهذا أضافه إلى البحر ولم يقل إلى الماء لمراعاة السعة التي في البحر فصيد البحر حلال للحلال وللحرام (وصل في فصل صيد البر إذا صاده الحلال هل يأكل منه المحرم أم لا) فمن قائل يجوز له أكله على الإطلاق ومن قائل هو محرم عليه على الإطلاق ومن قائل إن لم يصد من أجله ولا من أجل قوم محرمين جاز أكله وإن صيد من أجل محرم فهو حرام على المحرم وأما مذهبنا في هذا فلم ينقدح لي فيه شئ ولا نرجح عندي فيه دليل إلا أنه يغلب على ظني الخبر الصحيح الوارد أنه إذا لم يكن للمحرم فيه تعمل فله أكله وترجح أحد احتمالي لفظة الصيد المحرم في الآية لأن الصيد المذكور قد يراد به الفعل وقد يراد به المصيد ولا أدري أي ذلك أراد الحق تعالى أو أراد الأمرين جميعا الفعل والمصيد فمن يرى أنه الفعل لا المصيد فيقول بجواز أكله على الإطلاق ولا معنى لقول من يقول إن صيد من أجله لأني ما خوطبت بنية غيري فإن أمرت أنا الحلال أو أشرت إليه أو نبهته أو أومأت إليه في ذلك أو أعنته بشئ فلي فيه تعمل فيحرم على ذلك وأنا آثم فيه وهذا القول وإن كنت لم أره لغيري ولكن هو من محتملات القول الثالث وهو قوله إن لم يصد من أجله قد يريد بإشارته أو دلالته وقد يريد أن الحلال نوى أن يصيد ما يأكله المحرم الحلال لا تحجير عليه في تصرفه فأشبه الحق في هذه الصفة فإن رفع التحجير تنزيه عن التقييد فهي صفة إلهية وليس لأحد أن يمتنع بتقييده عن تصريف الحق له إذ كان تقييده من تصريفه فله قبول ما يصرفه فيه كما قبل تقييده لا فرق فهذه عبودية محضة خالصة حيث رآها في الحلال من كونه غير محجور عليه ما حجر على المحرم أعني رأى الصفة الإلهية التي ليس من شأنها أن تقبل الاحتجار بل هو الفعال لما يريد كما أنه تعالى أشبه المقيد المحرم في أمور أوجبها على نفسه لعباده في غير موضع كما قال أوفوا بعهدي أوف بعهدكم فأدخل نفسه معنا وهذا من أصعب معارض لآية قوله تعالى فعال لما يريد فإنه ليس بمحل لفعله ووفاؤه بالعهد لمن وفى بعهده لا بد منه لصدقه في خبره فقد فعل ما يريد وليس بمحل لتعلق إرادته لأنه موجود ولا ترجع إلى ذاته من فعله حال لم يكن عليها فهذا غاية الإشكال في العلم الإلهي وإن تساهل الناس في ذلك فإنما ذلك لجهلهم بمتعلق الإرادة والقول الثالث أقرب الأقوال إلى الصحة لأنه أقرب إلى الجمع بين الأحاديث الواردة في هذا الباب وهذا النظر الذي لنا في هذه المسألة ما هو قول رابع فإنا ما قطعنا بالحكم في ذلك لكن يغلب على ظني ترجيح القول الثالث على القولين وإن لم يكن بذاك الصريح (وصل في فصل المحرم المضطر هل يأكل الميتة أو الصيد) فمن قائل يأكل الميتة والخنزير دون الصيد ومن قائل يصيد ويأكل وعليه الجزاء وبالأول أقول فإن اضطر إلى الصيد صاد وعليه الجزاء لأنه متعمد فما خص الله مضطرا من غير مضطر كل مخلوق الاضطرار يصحبه دائما لأنه حقيقته ومع اضطراره فقد كلف فالذي ينبغي له أن يقف عند ما كلف فإن الاضطرار المطلق لا يرتفع عنه وإنما يرتفع عنه اضطرار خاص إلى كذا فجميع حركات الكون من جهة الحقيقة اضطرارية مجبور فيها وإن كان الاختيار في الكون موجودا نعرفه ولكن ثم علم آخر علمنا به أن المختار مجبور في اختياره بل تعطي الحقائق أن لا مختار لأنا رأينا الاختيار في المختار اضطراريا أي لا بد أن يكون مختارا فالاضطرار أصل ثابت لا يندفع يصحب الاختيار ولا يحكم على الاضطرار الاختيار فالوجود كله في الجبر الذاتي لا أنه مجبور بإجبار من غير فإن المجبر للمجبور الذي لولا جبره لكان مختارا مجبور في اختياره لهذا المجبور فالخلق مجبور ولا سيما * والأصل مجبور فأين الخيار فكل مخلوق على شكله * في حالة الجبر وفي الاضطرار تميز المخلوق عن أصله * بما له من ذلة وافتقار
(٦٨٧)