لكل واحد من ذلك الأمر حظ مثل ما للآخر كانقسام الصلاة بين الله وبين عبده فهذا أيضا قران وأما الإفراد فمثل قوله ليس لك من الأمر شئ ومثل قوله قل إن الأمر كله لله ومثل قوله كل من عند الله وكقوله وإليه يرجع الأمر كله وما جاء من مثل هذا مما انفرد به عبد دون رب أو انفرد به رب دون عبد فمما انفرد به عبد دون رب قوله تعالى أنتم الفقراء إلى الله وقوله تعالى لأبي يزيد يا أبا يزيد تقرب إلي بما ليس لي الذلة والافتقار فهذا معنى القران والإفراد في الحج وسيأتي حكم ذلك في التفصيل إن شاء الله تعالى (وصل في فصل المتمتع) والمتمتعون على نوعين إما قارن وإما مفرد بعمرة واختلف علماء الإسلام في التمتع فمنهم من قال أن يهل الرجل بالعمرة في أشهر الحج من الميقات ممن مسكنه خارج الحرم فكمل أفعال العمرة كلها ثم يحل منها ثم ينشئ الحج في ذلك العام بعينه وفي تلك الأشهر من غير أن ينصرف إلى بلده وقال بعضهم وهو الأحسن هو متمتع وإن عاد إلى بلده حج أو لم يحج فإن عليه هدي التمتع المنصوص عليه في قوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فكان يقول عمرة في أشهر الحج متعة وقال بعضهم ولو اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى أتى الحج وحج من عامه إنه متمتع وذهب ابن الزبير إلى أن المتمتع الذي ذكره الله هو المحصر بمرض أو عدو وذلك إذا خرج الرجل حاجا فحبسه عدو أو أمر تعذر به حتى تذهب أيام الحج فيأتي البيت ويطوف ويسعى ويحل ثم يتمتع وعليه بحجة إلى العام المقبل ثم يحج ويهدي وعلى ما قال ابن الزبير لا يكون التمتع المشهور إجماعا وقال أيضا إن المكي إذا تمتع من بلد غير مكة كان عليه الهدى واتفق العلماء على إن من لم يكن من حاضري المسجد الحرام فهو متمتع والذي أقول به إن قوله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام إنه يريد بذلك أي بهذه الإشارة بإجازة الصوم في أيام التشريق من أجل رجوعه إلى بلده لا إن المكي ليس بمتمتع فإن العلماء اختلفوا في المكي هل يقع منه التمتع أم لا يقع فمن قائل إنه يقع منه التمتع واتفقوا أنه ليس عليه دم وحجتهم الآية التي ذكرناها وهي محتملة وإن الدم يمكن أن يلزمه أو بدله وهو الصوم بعد انقضاء أيام التشريق فإنه من حاضري المسجد الحرام ثم ينبغي أن نذكر من أجل هذه الآية اختلافهم في حد حاضري المسجد الحرام فقال بعضهم حاضرو المسجد الحرام أهل مكة وذي طوى وما كان مثل ذلك من مكة وقال بعضهم هم أهل المواقيت فمن دونهم إلى مكة وقال بعضهم من كان بينه وبين مكة ليلة وقال بعضهم من كان ساكن الحرم وقال بعضهم هم أهل مكة فقط والذي أقول به إنهم ساكنوا الحرم مما رد الأعلام إلى البيت فإنه من لم يكن فيه فليس بحاضر بلا شك فلو قال تعالى في حاضر المسجد الحرام كنا نقول بما جاور الحرم لأن حاضر البلد ربضه الخارج عن سورة امتد في المساحة ما امتد وإنما علق سبحانه ما ذكره بحاضري المسجد الحرام وهم الساكنون فيه فمعنى التمتع تحلل المحرم بين النسكين العمرة والحج وهذا عندي ما يكون إلا لمن لم يسق الهدى فإن ساق الهدى وأحرم قارنا فإنه متمتع من غير إحلال فإنه ليس له أن يحل حتى يبلغ الهدى محله وبعد أن ذكرنا حكم التمتع فلنرجع إلى ما وضعنا عليه كتابنا هذا في هذه العبادات فنقول والله يقول الحق وهو يهدي السبيل إن أشهر الحج حضرة إلهية انفردت بهذا الحكم فأي عبد اتصف بصفة سيادة من تخلق إلهي ثم عاد إلى صفة حق عبودية ثم رجع إلى صفة سيادته في حضرة واحدة فذلك هو المتمتع فإن دخل في صفة عبودية بصفة ربانية في حال اتصافه بذلك فهو القارن وهو متمتع ومعنى التمتع أنه يلزمه حكم الهدى فإن كان له هدي وهو بهذه الحالة من الإفراد بالعمرة أو القران فذلك الهدى كافية ولا يلزمه هدي ولا يفسخ جملة واحدة وإن أفرد الحج ومعه هدي فلا فسخ فإلى هنا بمعنى مع ولهذا يدخل القارن فيه لقوله فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أي مع الحج فتعم المفرد والقارن بالدلالة فإن العمرة الزيارة فإذا قصدت على التكرار وأقل التكرار مرة ثانية كانت الزيارة حجا فدخلت العمرة في الحج أي يحرم بها في الوقت الذي يحرم بالحج وأكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن جعل للقارن طوافا واحدا وسعيا واحدا وهذا مقام الاتحاد وهو التباس عبد بصفة رب وإن كان المقصود العبد فهو التباس رب بصفة عبد فإذا حل المتمتع لأداء حق نفسه ثم ينشأ الحج فقد يكون تمتعه بصفة ربانية إن كان
(٦٩٠)