طريق الشرع والعمل به فإنه العلم الواسع الذي لا يقبل الشبه لأنه يقلب عينها بالوجه الحق الذي تحمله فيصرفها في موضعها فتكون علما بعد ما كانت بكونها شبهة جهلا فإن نور الايمان تندرج فيه أنوار العلوم اندراج أنوار الكواكب في نور الشمس وطريقه واضحة أيضا في رجوع الشبه علما لأنه يزيل حكمها ويريه نور الايمان وجه الحق فيها فيراها عدما والعدم لا أثر له ولا تأثير في الوجود فاعلم ذلك واعلم أن نور الايمان هنا عبارة عن أمر الشرع أي ألزم ما قلت لك وأمرتك به سواء وجدت عليه دليلا عقليا أو لم تجد كالإيمان في الجناب الإلهي بالهرولة والضحك والتبشش والتعجب من غير تكييف ولا تشبيه مع معقولية ذلك من اللسان لكن نجهل النسبة لاستنادنا إلى قوله تعالى ليس كمثله شئ وهي أعني هذه الآية أصل في التنزيه لأهله وأصل في التشبيه لأهله (باب في الماء تخالطه النجاسة ولم تغير أحد أوصافه) اختلف علماء الشريعة في الماء تخالطه النجاسة ولم تغير أحد أوصافه فمن قائل إنه طاهر مطهر سواء كان قليلا أو كثيرا وبه أقول إلا أني أقول إنه مطهر غير طاهر في نفسه لأنا نعلم قطعا إن النجاسة خالطته لكن الشرع عفا عنها ولا أعرف هذا القول لأحد وهو معقول وما عندنا من الشرع دليل إنه طاهر في نفسه لكنه طهور وإن احتجوا علينا بأن رسول الله ص قال خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ قلنا ما قال إنه طاهر في نفسه وإنما قال فيه إنه طهور والطهور هو الماء والتراب الذي يطهر غيره فإنا كما قلنا نعلم قطعا إن الماء حامل النجاسة عقلا ولكن الشارع ما جعل لها أثرا في طهارة الإنسان به ولا سماه نجسا فقد يريد الشارع التعريف بحقيقة الأمر وهو أن الماء في نفسه طاهر بكل وجه أبدا لم يحكم عليه بنجاسة أي أن النجاسة ليست بصفة له وإنما أجزاء النجس تجاور أجزاءه فلما عسر الفصل بين أجزاء البول مثلا وبين أجزاء الماء وكثرت أجزاء النجاسة على أجزاء الماء فغيرت أحد أوصافه منع من الوضوء به شرعا على الحد المعتبر في الشرع وإذا غلبت أجزاء الماء على أجزاء النجاسة فلم يتغير أحد أوصافه لم يعتبرها الشارع ولا جعل لها حكما في الطهارة بها فإنا نعلم قطعا إن المتطهر استعمل الماء والنجاسة معا في طهارته الشرعية والحكم للشرع في استعمال الأشياء لا للعقل ولم يرد شرع قط بأنه طاهر ليست فيه نجاسة إلا باعتبار ما ذكرناه من عدم تداخل الجواهر وهو أمر معقول فما بقي إلا تجاورها فاعتبر الشرع تلك المجاورة في موضع ولم يعتبرها في موضع فلذلك لم يجز الطهارة به في الموضع الذي اعتبرها وأجاز الطهارة به في الموضع الذي لم يعتبرها ولم يقل فيه إنه ليس فيه نجاسة فالحكم في الماء على ما ذكرناه على أربع مراتب إذا خالطته النجاسة أو لم تخالطه حكم بأنه طاهر مطهر وحكم بأنه طاهر غير مطهر وحكم بأنه غير مطهر ولا طاهر وحكم بأنه مطهر غير طاهر فالطاهر المطهر هو الماء الذي لم تخالطه نجاسة والطاهر غير المطهر هو الماء الذي يخالطه ما ليس بنجس بحيث أن يزيل عنه اسم الماء المطلق مثل ماء الزعفران وغيره وحكم بأنه غير طاهر ولا مطهر وهو الماء الذي غيرت النجاسة أحد أوصافه وصاحب هذا الحكم يرد الحديث الذي احتج به علينا فإن الشارع قال لا ينجسه شئ فكيف اعتبره هذا المحتج به هنا ولم يعتبره في الوجه الذي ذهبنا إليه في أنه مطهر غير طاهر ويلزمه ذلك ضرورة وليس عنده دليل شرعي يرده والحكم الرابع مطهر غير طاهر وهو الفصل الذي نحن بسبيله فإنه الماء الذي خالطته النجاسة ولم تغير أحد أوصافه ومن قائل بالفرق بين القليل والكثير فقالوا إن كان كثيرا لم ينجس وإن كان قليلا كان نجسا ولم يحد فيه حدا بل قال بأنه ينجس ولو لم يتغير أحد أوصافه ثم اختلف هؤلاء في الحد بين القليل والكثير والخلاف في نفس الحد مشهور في المذاهب لا في نص الشرع الصحيح فإن الأحاديث في ذلك قد تكلم فيها مثل حديث القلتين وحديث الأربعين قلة ثم الخلاف بينهم في حد القلة ويتفرع على هذا الباب مسائل كثيرة مثل ورود الماء على النجاسة وورود النجاسة على الماء والبول في الماء الدائم وغير ذلك وللناس في ذلك مذاهب كثيرة ليس هذا الكتاب موضعها فإنا ما قصدنا استقصاء جميع ما يتعلق من الأحكام بهذه الطهارة من جهة تفريع المسائل وإنما القصد الأمهات منها لأجل الاعتبار فيها بحكم الباطن فجردنا في هذا الباب نحوا من ثمانين بابا نذكرها إن شاء الله كلها بابا بابا وهكذا أفعل إن شاء الله في سائر العبادات التي عزمنا على ذكرها في هذا الكتاب من صلاة وزكاة وصيام وحج والله المؤيد لا رب غيره
(٣٥١)