ثم أذنت لنا في الدعاء للميت والشفاعة عندك فيه فلم يبق إلا الإجابة فهي متحققة عند المؤمن ولهذا جعلنا التكبيرة الأخيرة شكرا والسلام سلام انصراف وتعريف بما يلقي الميت من السلام والسلامة عند الله ومنا من الرحمة والكف عند ذكر مساوية (وصل في فصل القراءة في صلاة الجنازة) فمن قائل ما في صلاة الجنازة قراءة إنما هو الدعاء وقال بعضهم إنما يحمد الله ويثني عليه بعد التكبيرة الأولى ثم يكبر الثانية فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يكبر الثالثة فيشفع للميت ثم يكبر الرابعة ويسلم وقال آخر يقرأ بعد التكبيرة الأولى بفاتحة الكتاب ثم يفعل في سائر التكبيرات مثل ما تقدم آنفا وبه أقول وذلك أنه إذ ولا بد من التحميد والثناء فبكلام الله أولى وقد انطلق عليها اسم صلاة فالعدول عن الفاتحة ليس بحسن وبه قال الشافعي وأحمد وداود (وصل الاعتبار في هذا الفصل) قال أبو يزيد البسطامي اطلعت على الخلق فرأيتهم موتى فكبرت عليهم أربع تكبيرات قال بعض شيوخنا رأى أبو يزيد عالم نفسه هذه الصفة تكون لمن لا معرفة له بربه ولا يتعرف إليه وتكون لأكمل الناس معرفة بالله فالعارف المكمل يرى نفسه ميتا بين يدي ربه عز وجل إذ كان الحق سمعه وبصره ويده ولسانه يصلي عليه قال تعالى هو الذي يصلي عليكم فإذا كان الحق هو المصلي فيكون كلامه القرآن والعارفون لا بد لهم من قراءة فاتحة الكتاب يقرأها الحق على لسانهم ويصلي عليهم فيثني على نفسه بكلامه ثم يكبر نفسه عن هذا الاتصال في ثنائه على نفسه بلسان عبده في صلاته على جنازة عبده بين يدي ربه عز وجل ويكون الرحمن في قبلته وهو المسؤول ويكون المصلي هو الحي القيوم ثم يصلي بعد التكبيرة الثانية على نبيه المبلغ عنه قال تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي فلو لم يكن من شرف الملائكة على سائر المخلوقات إلا جمع الضمير في يصلون بينهم وبين الله لكفاهم وما احتيج بعد ذلك إلى دليل آخر ونصب الملائكة بالعطف حتى يتحقق أن الضمير جامع للمذكورين قبل ثم يكبر نفسه على لسان هذا المصلي من العارفين عن التوهم الذي يعطيه هذا التنزل الإلهي في تفاضل النسب بين الله وبين عباده من حيث ما يجتمعون فيه ومن حيث ما يتميزون به في مراتب التفضيل فربما يؤدي ذلك التوهم أن الحقائق الإلهية يفضل بعضها على بعض بتفاضل العباد إذ كل عبد في كل حالة مرتبط بحقيقة إلهية والحقائق الإلهية نسب تتعالى عن التفاضل فلهذا كبر الثالثة ثم شرع بعد القراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء للميت من قوله ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لكان هذا القرآن الذي أنزل عليك يا محمد وإذا كان الأمر على هذا الحد والميت في حكم الجمادات في الظاهر لذهاب الروح الحساس فكان حكمه حكم الجماد وقال تعالى لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله فوصفه بالخشية وعين وصفه بالخشية عين وصفه بالعلم بما أنزل عليه قال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء فالمعنى الذي أوجب له عدم الخشية إنما هو ارتباط الروح بالجسد فحدث من المجموع ترك الخشية لتعشق كل واحد منهما بصاحبه فلما فرق بينهما رجع كل واحد منهما إلى ربه بذاته فعلم ما كان قبل قد جهله بتركيبه فصحبته الخشية لعلمه فأول ما يدعى به للميت في الصلاة عليه ويثني على الله به في الصلاة عليه القرآن فإن الميت في مقام الخشية من جهة روحه ومن جهة جسمه فإذا عرف العارف فلا يتكلم ولا ينطق إلا بالقرآن فإن الإنسان ينبغي له أن يكون في جميع أحواله كالمصلي على الجنازة فلا يزال يشهد ذاته جنازة بين يدي ربه وهو يصلي على الدوام في جميع الحالات على نفسه بكلام ربه دائبا فالمصلي داع أبدا والمصلى عليه ميت أو نائم أبدا فمن نام بنفسه فهو ميت ومن مات بربه فهو نائم نومة العروس والحق ينوب عنه ولنا في هذا المعنى يا نائما كم ذا الرقاد * وأنت تدعى فانتبه لكن قلبك نائم * عما دعاك ومنتبه كان الإله يقوم عنك * بما دعا لو نمت به في عالم الكون الذي * يرديك مهمامت به فانظر لنفسك قبل * سيرك إن زادك مشتبه اللهم أبدله دارا خيرا من داره يعني النشأة الأخرى فيقول الله قد فعلت فإن نشأة الدنيا هي داره وهي دار منتنة كثيرة
(٥٢٩)