والصوم ترك والترك ما له صفة وجودية تحدث فإن الترك ليس بشئ وجودي يحدث لأنه نعت سلبي والطعم يضاده فلهذا حرم تناول المطعوم على الصائم لأنه يزيل حكم الصوم عنه وأما المشروب فهو تجل وسط والوسط محصور بين طرفين لمن هو وسط لهما والحصر يقضي بالتحديد في المحصور والصوم صفة إلهية والله لا يقتضي الحصر ولا يتصف به ولا بالحد ولا يتميز بذلك عندنا فيناقض المشروب الصوم فلهذا حرم على الصائم المشروب ثم إن المشروب لما كان تجليا أذن بوجود الغير المتجلي له والغير في الصائم لا عين له لأن الصوم لله ليس لنا وأنا المنعوت به فقد أنزلني الحق بهذه الصفة منزلته والشئ لا يتجلى لنفسه فالصائم لا يتناول المشروب ويحرم عليه ذلك وأما الجماع فهو لوجود اللذة بالشفعية فكل واحد من الزوجين صاحب لذة فيه فكل واحد مثل للآخر في الجماع ولهذا سمي جماعا لاجتماع الزوجين والصائم لا مثل له لاتصافه بصفة لا مثل لها فحرم الجماع على الصائم هذا موضع الاجتماع على هذه الثلاثة التي تبطل الصوم ولا يكون الموصوف بها أو بأحدها صائما (وصل في فصل ما يدخل الجوف مما ليس بغذاء) اختلفوا فيما يدخل الجوف مما ليس بغذاء كالحصي وغيره وفيما يدخل الجوف من غير منفذ الطعام والشراب كالحقنة وفيما يرد باطن الأعضاء ولا يرد الجوف مثل أن يرد الدماع ولا يرد المعدة فمن قائل إن ذلك يفطر ومن قائل لا يفطر (وصل في فصل الاعتبار) مشاركة الحكماء أصحاب الأفكار أهل الله فيما يفتح لهم من علم الكشف بالخلوة والرياضة من طريق النظر وأهل الله تعالى بهما من طريق الايمان واجتمعا في النتيجة فمن فرق من أصحابنا بينهما بالذوق وأن مدرك هذا غير مدرك هذا وإن اشتركا في الصورة قال لا يفطر ومن قال المدرك واحد والطريق مختلف فذلك اعتبار من قال يفطر وأما اعتبار باطن الأعضاء ما عدا الجوف فهو إن يكون الصائم في حضرة إلهية فأقيم في حضرة مثالية مثل قوله أعبد الله كأنك تراه فهل لمن خرج من عباد الله في ذوقه عن حكم التشبيه والتمثيل أن يؤثر فيه قول الشارع أعبد الله كأنك تراه فيترك علمه وذوقه وينزل إلى هذه المنزلة أدبا مع الشرع وحقيقة من الكشف فيكون قد أفطر أو لا ينزل ويقول أنا مجموع من حقائق مختلفة وفي ما يبقيني على ما أنا عليه وفي ما تطلبه مشاهدة هذا التنزل وهو كوني متخيلا أو ذا خيال فيعلم إن الحق قد طلب مني أن نشهده في هذه الحضرة من هذه الحقيقة ومن كل حقيقة في فيتعين لهذا التجلي المثالي مني هذه الحقيقة التي تطلبه وتبقي على ما أنا عليه من حقيقة أن لا خيال ولا تخيل فهذا اعتبار من يرى أنه لا يفطر ما يرد باطن الأعضاء الخارجة عن المعدة (وصل في فصل القبلة للصائم) فمن علماء الشريعة من أجازها ومنهم من كرهها على الإطلاق ومنهم من كرهها للشاب وأجازها للشيخ (اعتبار هذا الفصل) هذه المسألة نقيض مسألة موسى عليه السلام فإنه طلب الرؤية بعد ما حصل له الكلام فالمشاهدة والكلام لا يجتمعان في غير التجلي البرزخي وهو كان مقام شهاب الدين عمر السهروردي الذي مات ببغداد رحمه الله فإنه روى لي عنه من أثق بنقله من أصحابه أنه قال باجتماع الرؤية والكلام فمن هنا علمت إن مشهده برزخي لا بد من ذلك غير ذلك لا يكون والقبلة من الإقبال والقبول على الفهوانية من حضرة اللسن فإنه محل الكلام وكان الإقبال عليه أيضا بالكلام المسموع إذا كان في المشاهدة المثالية ومن كان فيها يتصور منه طلب الإقبال على الفهوانية فإذا كلمه لم يشهده وهذا المقام الموسى ذقته في الموضع الذي ذاقه موسى عليه السلام غير أني ذقته في بلة في الرمل على قدر الكف وذاقه موسى عليه السلام في حاجته وهي طلبه النار لأهله ففرحت حيث كان ماء وإنما قلنا إذا كلمه لم يشهده لأن النفس الطالبة تستفرغ لفهم الخطاب فتغيب عن المشاهدة فهو بمنزلة من يكره القبلة إذ الصائم صاحب المشاهدة لأن الصوم لا مثل له والمشاهدة لا مثل لها وأما من أجازها فقال التجلي مثالي فلا أبالي فإن الذات من وراء ذلك التجلي والتجلي لا يصح إلا من مقام المتجلي له وأما لو كان التجلي في غير مقام المتجلي له لم يصح طلب غير ما هو فيه لأن مشاهدة الحق فناء ومع الفناء لا يتصور طلب فإن اللذة أقرب من طلب الكلام لنفس المشاهد ومع هذا فلا يلتذ المشاهد في حال المشاهدة
(٦٠٩)