فيه في ذلك اليوم من الذلة والصغار والبكاء لما يرى من رحمة الله وعفوه وحط خطايا الحاج من عباده ثم إن السعي في هذا الموضع جمع الثلاثة الأحوال وهو الانحدار والترقي والاستواء وما ثم رابع فحاز درجة الكمال في هذه العبادة أعطى ذلك الموضع وهو في كل حال منها سالك فانحداره إلى الله وصعوده إلى الله واستواءه مع الله وهو في كل ذلك بالله لأنه عن أمر الله في الله فالساعي بين الصفا والمروة من الله إلى الله مع الله بالله في الله عن أمر الله فهو في كل حال مع الله لله والصفا والمروة صفة جمادية مناسبة للحجارة التي ظهر بترتيبها شكل البيت المخصوص فإنها بذلك الشكل أعطت اسم البيت ولولا ذلك لم يوجد اسم البيت وقد بينا لك أن الجمادات هي أعرف بالله وأعبد لله من سائر المولدات وإنها خلقت في المعرفة لا عقل لها ولا شهوة ولا تصرف إلا إن صرفت فهي مصرفة بغيرها لا بنفسها ولا مصرف إلا الله فهي مصرفة بتصريف الله والنبات وإن خلق في المعرفة مثلها فإنه نزل عن درجتها بالنمو وطلب الرفعة عليها بنفسه حين كان من أهل التغذي وهو يعطي النمو وطلب الارتفاع والجماد ليس كذلك ليس له العلو في الحركة الطبيعية لكن إذا رقى به إلى العلو وترك مع طبعه طلب السفل وهو حقيقة العبودية والعلو نعت إلهي فإنه هو العلي فالحجر يهرب من مزاحمة الربوبية في العلو فيهبط من خشية الله وبهذا أخبر الله عنه فقال وإن منها لما ذكر الحجارة لما يهبط من خشية الله فجعل هبوط الطبيعي من خشية فهو منشأ من الخشية لله والشهود له ذاتي وإنما يخشى الله من عباده العلماء به فمن خشي فقد علم من يخشى وهذا هو مذهب سهل بن عبد الله التستري فلا أعلى في الإنسان من الصفة الجمادية ثم بعدها النباتية ثم بعدها الحيوانية وهي أعظم تصريف في الجهات من النبات ثم الإنسان الذي ادعى الألوهة فعلى قدر ما ارتفع عن درجة الجماد حصل له من تلك الرفعة صورة إلهية خرج بها عن أصله فالحجارة عبيد محققون ما خرجوا عن أصولهم في نشأتهم ثم إن الله جعل هذه الأحجار محلا لإظهار المياه التي هي أصل حياة كل حي في العالم الطبيعي وهي معادن الحياة وبالعلم يحيى الإنسان الميت بالجهل فجمعت الأحجار بالخشية وتفجر الأنهار منها بين العلم والحياة قال تعالى وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار مع اتصافها بالقساوة وذلك لقوتها في مقام العبودية فلا تتزلزل عن ذاتها لأنها لا تحب مفارقة موطنها لما لها فيه من العلم والحياة اللتين هما من أشرف الصفات فنال الساعي من الصفا إلى المروة وهما الحجارة ما تعطيه حقيقة الحجارة من الخشية والحياة والعلم بالله والثبات في مقامهم ذلك فمن سعى ووجد مثل هذه الصفات في نفسه حال سعيه فقد سعى وحصل نتيجة سعيه فانصرف من مسعاه حي القلب بالله ذا خشية من الله عالما بقدره وبما له ولله وإن لم يكن كذلك فما سعى بين الصفا والمروة (وصل في فصل شروطه) اتفق العلماء أن من شرطه الطهارة من الحيض فأما الطهارة من الحدث فكلهم قالوا ليس من شرطه الطهارة من الحدث إلا الحسن فاعلم أنه لما قررنا في فصل السعي ما قررنا وفي اعتباره الحجارة من حكم الصفا والمروة لذلك اتفقوا أنه لا يشترط الطهارة من الحدث في هذا النسك لأنه عبد محض فيها ولم تصح له هذه العبودة إلا بحدثه فلو لا حدثه ما صحت عبوديته فإذا تطهر من حدثه خرج عن حقيقته وادعى المشاركة في الربوبية بقدر ما خرج فإن كان طهرا عاما كالغسل كان أبعد له من حقيقته وإن كان طهرا خاصا كالوضوء فهو أقرب والأخذ بالمناسب أتم في الحقائق وأما من يرى الطهارة في هذا النسك فإنه يقول لا بد لكل موجود حي من نسبة فعل إليه على أي وجه كان ولا أكثر محدث بقي على أصله أتم من الحجارة ومع هذا فإن الله وصفها بالخشية وهو فعل نسب إليها أي قيل إنها تخشى فينبغي أن تتطهر من هذه النسبة لا من الخشية لتكون الخشية من الله فيها وكذلك التشقق نسب إليها لخروج المياه فلا بد من التطهير من هذه النسب ولهذا نزع الحسن إلى اشتراط الطهارة في هذا الشك وهو حسن مثل اسمه أي هو مذهب حسن فإن النبي صلى الله عليه وسلم كره أن يذكر الله إلا على طهر أو قال طهارة ولا بد فيه من ذكر الله فالقول بالطهارة أولى والحسن عندنا من أئمة طريق الله جل جلاله ومن أهل الأسرار والإشارات (وصل في فصل ترتيبه)
(٧١٠)