الذي اعتكف فيه والخارجة عنه التي يخرجه فعلها عن مكانه فإن الله يقول وهو معكم أينما كنتم وإذا كانت الإقامة بنفسك لله فقد عينت مكانا لها فلتلزمها به حتى يتجلى لك في غير ما ألزمتها به فافهم (وصل في فصل المكان الذي يعتكف فيه) فمن قائل لا يجوز الاعتكاف إلا في الثلاثة المساجد التي تشهد الرجال إليها ومن قائل الاعتكاف عام في كل مسجد ومن قائل لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الجمعة ومن قائل تعتكف المرأة في مسجد بيتها ومن قائل يجوز الاعتكاف حيث شاء إلا أنه إن اعتكف في غير مسجد جاز له مباشرة النساء وإن اعتكف في مسجد فليس له مباشرة النساء وبه أقول إلا أني أزيد أنه إن نوى الاعتكاف في أيام تقام فيها الجمعة فلا يعتكف إلا في مكان يمكن له مع الإقامة فيه أن يقيم الجمعة سواء كان في المسجد أو في مكان قريب من المسجد يجوز له إقامة الجمعة فيه اعلم أن المساجد بيوت الله مضافة إليه فمن استلزم الإقامة فيها فلا ينبغي له أن يصرف وجهه لغير رب البيت فإنه سوء أدب فإنه لا فائدة للاختصاص بإضافتها إلى الله إلا أن لا يخالطها شئ من حظوظ الطبع ومن أقام مع الله في غير البيت الذي أضافه إلى نفسه جاز له مباشرة أهله إلا في حال صومه في اعتكافه إن كان صائما ومباشرة المرأة رجوع العقل من حال العقل عن الله إلى مشاهدة النفس سواء جعلها دليلا أو غير دليل فإن جعلها دليلا فالدليل والمدلول لا يجتمعان فلا تصح الإقامة مع الله وملابسة النفس وأعلى الرجوع إلى النفس وملابستها أن يلابسها دليل وأما إن لم يلابسها دليل فلم يبق إلا شهود الطبع فلا ينبغي للمعتكف أن يباشر النساء في مسجد كان أو في غير مسجد ومن كان مشهده سريان الحق في جميع الموجودات وأنه الظاهر في مظاهر الأعيان وأن باقتداره واستعداداتها كان الوجود في الأعيان رأى أن ذلك نكاح وأجاز مباشرة المعتكف المرأة إذا لم يكن في مسجد فإن هذا المشهد لا يصح فيه إن يكون للمسجد عين موجودة فإنه لا يرى في الأعيان من هذه حالته إلا الله فلا مسجد أي لا موضع تواضع ولا تطأطؤ فافهم (وصل في فصل قضاء الاعتكاف) ذكر مسلم عن أبي بن كعب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فسافر عاما فلم يعتكف فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين ليلة الإقامة مع الله على الدوام هو طريق أهل الله ولها الثناء العام ولذلك صاحبها الحمد لله على كل حال وهو ذكر الضراء وهو الذكر الأعم الأتم فإنه إذا حمده العبد على الضراء فكيف يكون مع السراء فإن السراء من جملة أحوال العبد وقد دخل تحت عموم قوله كل حال وهو الطرفان وما بينهما وحمد السراء مقيد فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في السراء الحمد لله المنعم المفضل فيقيده وهذا هو حمد أيضا أعم من الأول وإن ظهر فيه التقييد ولكن لا يفطن له كل أحد فإن من نعم الله على عبده وإنعامه إن وفقه أن يقول عند الضراء الحمد لله على كل حال فهذا من اسمه المنعم المفضل عليه بهذا القول فإذا اتفق أن ينقل الله من له صفة الإقامة معه على كل حال إلى من يرى الله بعد كل شئ فتزيله هذه الحال عن الإقامة مع الله دائما فيكون بمنزلة المسافر الذي يناقض الاعتكاف فيجب عليه القضاء إذا رجع إلى حاله الأول وصورة قضائه الإقامة مع الله الثابت بالدليل الشرعي فإنها أيام أخر وهي العشر الوسط بين العشرين الآخر والأول كذلك هي النعوت التي جاءت بها الشريعة من صفات التشبيه بين الحس والعقل وهي حضرة الخيال ففي هذه الحضرة يقضي الاعتكاف وفي العشر الآخر المتصلة به يعتكف على عادته بصفات التنزيه عقلا وشرعا من ليس كمثله شئ (وصل في فصل تعيين الوقت الذي يدخل فيه الذي يريد الاعتكاف إلى المكان الذي يقيم فيه) خرج مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل في معتكفه اعلم أن المعتكف وهو المقيم مع الله على جهة القربة دائما لا يصح له ذلك إلا بوجه خاص وهو أن يشهده في كل شئ هذا هو الاعتكاف العام المطلق وثم اعتكاف آخر مقيد يعتكف فيه العبد مع اسم ما إلهي يتجلى له ذلك الاسم بسلطانه فيدعوه إلى الإقامة معه واعتبار مكان الاعتكاف في المعاني هو المكانة وما ثم اسم إلهي إلا وهو
(٦٦٢)