وذلك حفظ الله في مثل طورنا * وعصمته في المرسلين بلا ريب القصيدة بكمالها وهي مذكورة في أول الباب الثلاثين وثلاثمائة من هذا الكتاب وترتيب هذا الباب هو ما ذكرناه من مراتب خرق العوائد وأما ما فيه من الغرائب فإلحاق البشر بالروحانيين في التمثل وإلحاق الروحانيين بالبشر في الصورة وظهور صورة عنهم شبيه الصورة التي يتمثلون بها قال تعالى فتمثل لها بشرا سويا يسمى روحا مثل ما هو جبريل روح فيحيي الموتى كما يحيي جبريل قال ابن عباس ما وطئ جبريل عليه السلام قط موضعا من الأرض إلا حيي ذلك الموضع ولهذا أخذ السامري قبضة من أثره حين عرفه لما جاء لموسى وقد علم إن وطأته يحيا بها ما وطئه من الأشياء فقبض قبضة من أثر الرسول فرمى بها في العجل الذي صنعه فحيي ذلك العجل وكان ذلك إلقاء من الشيطان في نفس السامري لأن الشيطان يعلم منزلة الأرواح فوجد السامري في نفسه هذه القوة وما علم بأنها من إلقاء إبليس فقال وكذلك سولت لي نفسي وفعل ذلك إبليس من حرصه على إضلاله بما يعتقده من الشريك لله تعالى فخرج عيسى على صورة جبريل في المعنى والاسم والصورة الممثلة فالتحقق البشر بالروحاني والتحق الروحاني بصورة البشر في نازلة واحدة ويكفي هذا القدر من هذا الباب فإنه باب واسع لمريم وآسية لحقائق الرسل عليهم السلام فيه مجال رحب فإنه منزل الكمال من حصله ساد على أبناء جنسه وظهر حاكما على صاحب الجلال والجمال وهو من مقامات أبي يزيد البسطامي والأفراد والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الحادي والعشرون (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الحادي والأربعون في معرفة أهل الليل واختلاف طبقاتهم وتباينهم في مراتبهم وأسرار أقطابهم) ألا إن أهل الليل أهل تنزل * وأهل معاريج وأهل تنقل فمن صاعد نحو المقام بهمة * ومن نازل يبغي اللحوق بأسفل بحكم التداني والتدلي هما وعن * وجود الترقي والتلقي بمعزل فإن قلت فيهم إنهم خير عصبة * صدقت فقد حلوا بأكرم منزل وإن قلت فيهم إنهم شر فتية * صدقت فليسوا بالنبي ولا الولي فهم لا همو ليسوا بهم وبغيرهم * ولكنهم في معقل متزلزل عزيز الحمى بين المشاهد والنهي * وبين جنوب في الهبوب وشمال فما منهمو إلا إمام مسود * إذا أصبحوا نالوا المنى بالتأمل لهم نظرة لا يعرف الغير حكمها * لهم سطوة في كل تاج مكلل اعلم أيدك الله بروح منه أن الله جعل الليل لأهله مثل الغيب لنفسه فكما لا يشهد أحد فعل الله في خلقه لحجاب الغيب الذي أرسله دونهم كذلك لا يشهد أحد فعل أهل الليل مع الله في عبادتهم لحجاب ظلمة الليل التي أرسلها الله دونهم فهم خير عصبة في حق الله وهم شر فتية في حق أنفسهم ليسوا بأنبياء تشريع لما ورد من غلق باب النبوة ولا يقال في واحد منهم عندهم إنه ولي لما فيه من المشاركة مع اسم الله فيقال فيهم أولياء ولا يقولون ذلك عن أنفسهم وإن بشروا فجعل الليل لباسا لأهله يلبسونه فيسترهم هذا اللباس عن أعين الأغيار يتمتعون في خلواتهم الليلية بحبيبهم فيناجونه من غير رقيب لأنه جعل النوم في أعين الرقباء سباتا أي راحة لأهل الليل إلهية كما هو راحة للناس طبيعية فإذا نام الناس استراح هؤلاء مع ربهم وخلوا به حسا ومعنى فيما يسألونه من قبول توبة وإجابة دعوة ومغفرة حوبة وغير ذلك فنوم الناس راحة لهم وإن الله تعالى ينزل إليهم بالليل إلى السماء الدنيا فلا يبقى بينه وبينهم حجاب فلكي ونزوله إليهم رحمة بهم ويتجلى من سماء الدنيا عليهم كما ورد في الخبر فيقول كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني أليس كل محب يطلب الخلوة بحبيبه هو أنا ذا قد تجليت لعبادي هل من داع فاستجيب له هل من نائب فأتوب عليه هل من مستغفر فاغفر له حتى ينصدع
(٢٣٧)