النظر وإن آمن أو لا تقليدا فإنه يريد البحث عن الأدلة والنظر فيما آمن به لا على الشك ليحصل له العلم بالدليل الذي نظر فيه فيخرج من التقليد إلى العلم أو يعمل على ما قلد فيه فينتج له ذلك العمل بالله فيفرق به بين الحق والباطل عن بصيرة صحيحة لا تقليد فيها وهو علم الكشف قال تعالى يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا وهو عين ما قلناه وقال واتقوا الله ويعلمكم الله وقال الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان وقال آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما وقد ورد أن العلماء ورثة الأنبياء فسماهم علماء وأن الأنبياء ما ورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم والأخذ للعلم بالمجاهدة والأعمال أيضا سفر فكما سافر العقل بنظره الفكري في العالم سافر العامل بعمله واجتمعا في النتيجة وزاد صاحب العمل أنه على بصيرة فيما علم لا يدخله شبهة وصاحب النظر ما يخلو عن شبهة تدخل عليه في دليله فصاحب العمل أولى باسم العالم من صاحب النظر وسيأتي الكلام فيما يجوز من السفر وفيما لا يجوز في صلاة المسافر من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى (باب في المريض يجد الماء ويخاف من استعماله) اختلف العلماء بالشريعة في المريض يجد الماء ويخاف من استعماله فمن قائل بجواز التيمم له وبه أقول ولا إعادة عليه ومن قائل لا يتيمم مع وجود الماء سواء في ذلك المريض والخائف ومن قائل في حقهما يتيمم ويعيد الصلاة إذا وجد الماء ومن قائل يتيمم وإن وجد الماء قبل خروج الوقت توضأ وأعاد وإن وجده بعد خروج الوقت لا إعادة عليه (وصل اعتبار ذلك في الباطن) المريض هو الذي لا تعطي فطرته النظر وأنه مرض مزمن مع وجود الأدلة إلا أنه يخاف عليه من الهلاك والخروج عن الدين إن نظر فيها لقصوره وقد رأينا جماعة منهم خرجوا عن الدين بالنظر لما كانت فطرتهم معلولة وهم يزعمون أنهم في ذلك على علم صحيح فهم كما قال الله وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فيأخذ مثل هذا إن أراد النجاة العقائد تقليدا كما أخذ الأحكام وليقلد أهل الحديث دون غيرهم وهذا تقليد الحديث النبوي في الله على علم الله فيه من غير تأويل فيه بتنزيه معين ولا تشبيه وعلى هذا أكثر العامة وهم لا يشعرون فهذا هو المريض الذي يجد الماء ويخاف من استعماله في الاعتبار (باب الحاضر يعدم الماء ما حكمه) فمن قائل بجواز التيمم له وبه أقول ومن قائل لا يجوز التيمم للحاضر الصحيح إذا عدم الماء (وصل اعتبار ذلك في الباطن) الحاضر هو المقيم على عقده الذي ربط عليه من آبائه ومربيه ثم عقل ورجع إلى نفسه واستقل هل يبقى على عقده ذلك أو ينظر في الدليل حتى يعرف الحق فمن قائل يكفيه ما رباه عليه أبواه أو مربيه ويشتغل بالعمل فإن النظر قد يخرجه إلى الحيرة فلا يؤمن عليه فهو الذي قال بالتيمم عند عدم الماء وقد قدمنا أن الماء هو العلم للاشتراك في الحياة به فإن هذا الحاضر الدليل معدوم عنده على الحقيقة فإنه لا يرى مناسبة بين الله وبين خلقه فلا يكون الخلق دليلا ساد على معرفة ذات الحق فبقاؤه عنده على تقليده أولى ومن قال لا يجوز له التيمم وإن عدم الماء يقول لا يقلد وإن لم ينظر في الدليل فإن الايمان إذا خالط بشاشة القلوب لزمته واستحال رجوعها عنه ولا يدري كيف حصل ولا كيف هو فهو علم ضروري عنده فقد خرج عن حكم ما يعطيه التقليد مع كونه ليس بناظر ولا صاحب دليل وعلى هذا أكثر الناس في عقائدهم فعدم الماء في حق هذا الحاضر هو عدم الأمان على نفسه أن يوقعه النظر في شبهة تخرجه عن الايمان (باب في الذي يجد الماء ويمنعه من الخروج إليه خوف عدو) اختلف العلماء فيمن هذه حالته فمن قائل يجوز له التيمم وبه أقول ومن قائل لا يتيمم (وصل اعتباره في الباطن) الخوف من البحث عن الدليل لينظر فيه ليؤديه إلى العلم بالمدلول جهل بعين الدليل أنه دليل فلا بد من أحد الأمرين إما أن يقلد أحدا في أن هذا دليل على أمر ما يعينه له أو يفتقر إلى نظر وفكر فيما ينبغي أن يتخذه دليلا على معرفة الله فإن كان الأول فليبق على تقليده في معرفة الله وهو الذي يقال له تيمم ومن قال لا يجوز له التيمم قال إن هذا الخوف لا يلزمه أن لا ينظر فلينظر لا ولا بد
(٣٧٢)