في حق ذاته يستحيل فلا مناسبة بين الله وبين خلقه فإنه من ليس كمثله شئ كيف يصح أن يشبه شيئا أو يشبهه شئ وهذا بخلاف اللسان الأول فإن الإضافة بالعبودية كانت إلى الله لا إلى الهوية وهو أن ينظر فيه من حيث ما يطلبه الممكن ويليق وهو دون ما تشهد به ابن مسعود (التشهد بلسان الجلال) أما التشهد بلسان الجلال فزاد على ما احتوى عليه التشهدان أن نعت التحيات بالمباركات أي التحيات التي يكون معها البركات وأسقط الزاكيات وكذلك أسقطها ابن مسعود فإنهما راعيا الاشتراك في الزيادة وراعى عمر ما في الزكاة من التقديس مع وجود الزيادة التي تشترك فيها مع البركة فاكتفى بالزاكيات لذلك وأنكر الزاكيات في التشهد جماعة من علماء الرسوم ممن لا علم له بعلوم الأذواق ومواقع اختلاف خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأت في هذا اللسان في نعت التحيات بحرف عطف وقال فيه سلام بالتنكير وهو تشهد ابن عباس وذلك أنه راعى خصوص حال كل مصل فإن أسماء الله مثل الممكنات لا نهاية لها وكل ممكن له خصوص وصف فله من الله اسم خاص به من ذلك الاسم خص بالوصف الذي يتميز به عن كل ممكن وهذا من أشرف علوم أهل الله وهو مذكور في قوله في دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم غيبك وأما أسماء الإحصاء فتسعة وتسعون مائة إلا واحد ولم يصح في تعيينها على الجملة نص ولا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال هي هذه فما جاء ابن عباس بتنكير السلام إلا ليأخذ كل مصل من الاسم الذي يلقى إليه ويناجي الحق فيه وهو المسلم على نبي الله منا صلى الله عليه وسلم وعلينا وعلى عباد الله الصالحين وكذلك اختص بعدم تكرار لفظ الشهادة فتركها فلم يشهد له بعبودية ولا رسالة بشهادة مستأنفة بل شهادته بالتوحيد أغنت واكتفى بالواو لما فيها من قوة الاشتراك وذلك مثل قوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم ولم يعطف بذكر الشهادة تشريفا لهم وإن كان قد فصلهم عن شهادته لنفسه بذكره لا إله إلا هو وأسقط هنا لفظ العبودية لتضمن الرسالة إياها (فصل بل وصل في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة) اختلفوا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فمن قائل إنها فرض وبه أقول ومن قائل إنها ليست بفرض وكذلك اختلفوا في التعوذ من الأربع المأمور بها في التشهد وهو أن يتعوذ من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنة المحيا والممات فمن قائل بوجوبها ومن قائل بمنع وجوبها وبوجوبها أقول ولو لم يأمر بالتعوذ منها لكان الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم أولى إذ كان التعوذ منها من فعله لقوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وقوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي فكيف وقد انضاف إلى فعله أمره أمته بذلك فالصلاة على النبي في الصلاة وغيرها دعاء من العبد المصلي لمحمد صلى الله عليه وسلم بظهر الغيب وقد ورد في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه من دعا بظهر الغيب قال له الملك ولك بمثله وفي رواية ولك بمثليه فشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بها الله في قوله يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ليعود هذا الخير من الملك على المصلي عليه من أمته صلى الله عليه وسلم وأمر بالسلام عليه بقوله وسلموا تسليما فأكده بالمصدر فقد يحتمل أن يريد بذلك السلام المذكور في التشهد ويحتمل أن يريد به السلام من الصلاة أي إذا فرغتم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فسلموا من صلاتكم تسليما وبهذا الاحتمال تعلق من رأى وجوبها في الصلاة وأما الاستعاذة من عذاب القبر فإن القبر أول منزل من منازل الآخرة فيسأل الله أن لا يتلقاه في أول قدم يضعه في الآخرة في قبره عذاب ربه وأما الاستعاذة من عذاب جهنم فإنها الاستعاذة من البعد فإن جهنم معناه البعيدة القعر والمصلي في حال القربة وهو قريب من الانفصال من هذه الحالة المقربة فاستعاذ بالله أن لا يكون انفصاله إلى حال تبعده من الله بل إلى قرب من حالة دينية أخرى وأما الاستعاذة من فتنة المسيح الدجال فلما يظهره في دعواه الألوهية وما يخيله من الأمور الخارقة للعادة من إحياء الموتى وغير ذلك مما ثبتت الروايات بنقله وجعل ذلك آيات له على صدق دعواه وهي مسألة في غاية الإشكال لأنها تقدح فيما قرره أهل الكلام في العلم بالنبوات فيبطل بهذه الفتنة كل دليل قرروه وأي فتنة أعظم من فتنة تقدح في الدليل الذي
(٤٣١)