لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ولا يحتاج العارفون لمنة بنى شيبة فإن الله قد كفاهم بما أخرج لهم منه في الحجر فجناب الله أوسع أن يكون عليه سدنة من خلقه ولا سيما من نفوس جبلت على الشح وحب الرياسة والتقدم ولقد وفق الله الحجاج رحمه الله لرد البيت على ما كان عليه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين فإن عبد الله بن الزبير غيره وأدخله في البيت فأبى الله إلا ما هو الأمر عليه وجهلوا حكمة الله فيه يقول علي بن الجهم وأبواب الملوك محجبات * وباب الله مبذول الفناء (وصل في فصل وقت جواز الطواف) فمن قائل بإجازة الطواف بعد صلاة الصبح والعصر وبه أقول وسبب ذلك أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم وقد استقبل الكعبة وهو يقول يا مالكي أو قال يا ساكني الشك مني هذا البيت لا تمنعوا أحدا طاف به وصلى في أي وقت شاء من ليل أو نهار فإن الله يخلق له من صلاته ملكا يستغفر له إلى يوم القيامة فمن ذلك الوقت قلت بإجازة الطواف في هذين الوقتين وكنت قبل هذه الرؤيا عندي في ذلك وقفة فإن حديث النسائي الذي يشبهه حديثنا رأيتهم قد توقفوا في الأخذ به فلما رأيت هذه المبشرة ارتفع عني الإشكال وثبت به عندي حديث النسائي وحديث أبي ذر الغفاري والحمد لله ومن قائل بالمنع وقت الطلوع ووقت الغروب خاصة ومن قائل بالكراهة بعد العصر والصبح ومنعه عند الطلوع والغروب ومن قائل بإباحته في الأوقات كلها وهو قولنا إلا أني أكره الدخول في الصلاة حال الطلوع وحال الغروب إلا أن يكون قد أحرم بها قبل حال الطلوع والغروب (تحرير ذلك) لا يخلوا المصلي أن يكون قبلته موضع طلوع الشمس أو غروبها بحيث أن يستقبلها فهنا لك أكره له ذلك وأما إذ لم يكن في قبلته فلا بأس وأما عند الكعبة فالحكم له يدور من حيث شاء لا يستقبل الشمس طالعة ولا غاربة وقد فارق الكفار الذين يسجدون لها في الصورة الظاهرة في استقبالها وهو مفارق لهم في الباطن بلا شك ولا ريب سياق الحديثين حديث النسائي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بنى عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى في أي وقت شاء من ليل أو نهار وما خص حال طلوع ولا حال غروب لأن العبد بشهود البيت متمكن أن لا يقصد استقبال مغرب ولا مشرق وليس كذلك في الآفاق وما أحسن تحريه صلى الله عليه وسلم في المصلي إلى السترة أن لا يصمد إليها صمدا وليمل بها يمينا أو شمالا قليلا حديث أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا بعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا بمكة إلا بمكة إلا بمكة وهذه الأحاديث تعضد رؤيانا واعلم أن الله متجل على الدوام لا تقيد تجليه الأوقات والحجب إنما نرفع عن أبصارنا قال تعالى فكشفنا عنك غطاءك وقال ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون يعني المحتضر قال إبراهيم الخليل لا أحب الآفلين وهو يحب الله بلا شك فالله ليس بآفل فتجليه دائم وتدليه لازم والذي بين ذا وذا إنك اليوم نائم فلا مانع لمن كان الحق مشهده ولهذا لم يمنع في تلك الحالة من ذكر الله والجلوس بين يديه لانتظار الصلاة والدعاء فيه وإنما منع السجود خاصة لكون الكفار يسجدون لها في ذلك الوقت وهنا تنبيه على سر معقول وهو أنه من المحال أن يكون أثر الكفر أقوى من أثر الايمان عندنا وعندهم حتى يمنع من ظهوره وحكمه كما يظهر في هذا الأمر من كون سجود الكفار للشمس وهو كفر منع المؤمن من السجود لله والمانع إبداله القوة واعلم أن الأمر في ذلك خفي أخفاه الله إلا عن العارفين فإن الله بهذا المنع أبقى على الكفار بعض حق إلهي بذلك القدر وقع المنع وظهرت القوة في الحكم بمنع المؤمن من السجود في ذلك الوقت لسجود الكفار للشمس وذلك أن الله يقول وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وكذلك فعلوا فإنهم ما عبدوا الشمس إلا لتخيلهم أنها إله فما سجدوا إلا لله لا لعين الشمس بل لعين حكمهم فيها إنها الله ولقد أضافني واحد من علمائهم فأخذت معه في عبادتهم الشمس وسجودهم لها فقال لي ما ثم إلا الله وهذه الشمس أقرب نسبة إلى الله لما جعل الله فيها من النور والمنافع فنحن نعظمها لما عظمها الله بما جعل لها ثم نرجع ونقول فلما علم الحق أنهم ما عبدوا سواه وإن أخطئوا في النسبة والمؤمن لا يعبد إلا الله فأشبه الكافر في إيمانه بالله فكان الأمر مثل الشرع الإلهي ينسخ بعضه بعضا فما
(٧٠٦)