في أخذه النور من الشمس من الاسم الظاهر للخلق فإن له أيضا كمالا آخر في الوجه الآخر منه من الاسم الباطن ليلة السرار وهو مجلي في تلك الليلة من غير إمداد يرجع إلى الخلق بل هو في السرار بما يخصه من حيث ذاته خالص له وهو الذي أشرنا إليه في صوم سرر الشهر المأمور به شرعا وقد تقدم فاجعل بالك لما فتحناه إلى عين فهمك عناية من الله بك من حيث لا تشعر ولا يحجبنك عن هذا العلم الغريب الذي بيناه لك الرؤيا الشيطانية التي رؤيت في حق أبي حامد الغزالي فحكاها علماء الرسوم وذهلوا عن أمر الله تعالى سبحانه لنبيه في قوله وقل رب زدني علما لم يقل عملا ولا حالا ولا شيئا سوى العلم أتراه أمره بأن يطلب الحجاب عن الله والبعد منه والصفة الناقصة عن درجة الكمال أتراه في قوله ضرب بيده يعني ضربة الحق إياه فعلمت في تلك الضربة علم الأولين والآخرين لا شئ لم يذكر العمل ولا الحال فحكى أصحاب الرسوم عن شخص سموه وهو أنه رأى أبا حامد الغزالي في النوم فقال له أو سأله عن حاله فقال له لولا هذا العلم الغريب لكنا على خير كثير فتأولها علماء الرسوم على ما كان عليه أبو حامد من علم هذا الطريق وقصد إبليس بهذا التأويل الذي زين لهم أن يعرضوا عن هذا العلم فيحرموا هذه الدرجات هذا إذا لم يكن لإبليس مدخل في الرؤيا وكانت الرؤيا يا ملكية وإذا كانت الرؤيا من الله والرائي في غير موطن الحس والمرئي ميت فهو عند الحق لا في موطن الحس والعلم الذي كان يحرض عليه أبو حامد وأمثاله في أسرار العبادات وغيرها ما هو غريب عن ذلك الموطن الذي الإنسان فيه بعد الموت بل تلك حضرته وذلك محله فلم يبق العلم الغريب على ذلك الموطن إلا العلم الذي كان يشتغل به في الدنيا من علم الطلاق والنكاح والمبايعات والمزارعة وعلوم الأحكام التي تتعلق بالدنيا ليس لها إلى الآخرة تعلق البتة لأنه بالموت يفارقها فهذه العلوم الغريبة عن موطن الآخرة وكالهندسة والهيئة وأمثال هذه العلوم التي لا منفعة لها إلا في الدار الدنيا وإن كان له الأجر فيها من حيث قصده ونيته فالخير الذي يرجع إليه من ذلك قصده ونيته لا عين العلم فإن العلم يتبع معلومه ومعلومه هذا كان حكمه في الدنيا لا في الآخرة فكأنه يقول له في رؤياه لو اشتغلنا زمان شغلنا بهذا العلم الغريب عن هذا الموطن بالعلم الذي يليق به ويطلبه هذا الموضع لكنا على خير كثير ففاتنا من خير هذا الموطن على قدر اشتغالنا بالعلم الذي كان تعلقه بالدار الدنيا فهذا تأويل رؤيا هذا الرائي لا ما ذكروه ولو عقلوا لتفطنوا في قوله العلم الغريب فلو كان علمه بأسرار العبادة وما يتعلق بالجناب الأخروي لما كان غريبا لأن ذلك موطنه والغربة إنما هي لفراق الوطن فثبت ما ذكرناه فإياك إن تحجب عن طلب هذه العلوم الإلهية والأخروية وخذ من علوم الشريعة على قدر ما تمس الحاجة إليه مما ينفرض عليك طلبه خاصة وقل رب زدني علما على الدوام دنيا وآخرة (وصل في فصل صيام الاثنين والخميس) خرج النسائي عن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله إنك تصوم حتى تكاد لا تفطر وتفطر حتى تكاد لا تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما قال أي يومين قلت يوم الاثنين ويوم الخميس قال ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين فأحب إن يعرض عملي وأنا صائم فاعلم إن أسماء الأيام الخمسة جاءت بأسماء العدد أولها الأحد وآخرها الخميس واختص السادس باسم العروبة وفي الإسلام باسم الجمعة والسابع بيوم السبت فسميا بالحال لا باسم العدد كما أقسم بالخمسة الخنس الجواري وهي التي لها الإقبال والإدبار ولم يجعل معهن في هذا القسم الشمس والقمر وإن كانا من الجواري ولكنهما ليسا من الخنس كذلك الجمعة والسبت وإن كانا من الأيام لم يجعل اسمهما من أسماء العدد فلنذكر هنا ما يختص بالاثنين والخميس كما نذكر في صيام الجمعة والسبت والأحد ما يختص بهن أيضا في موضعه من هذا الباب فيوم الاثنين لآدم صلوات الله عليه ويوم الخميس لموسى صلى الله عليه وسلم فجمع بين آدم ومحمد صلى الله عليه وسلم الجمعية في الأسماء وجوامع الكلم فكما إن آدم علم الأسماء كلها كذلك محمد صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم والأسماء من الكلم فتلبس بيوم الاثنين الذي هو خاص بآدم لهذه المشاركة وأما موسى فجمع بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع النبيين الرفق وهو الذي تطلبه الرحمة وكان النبي صلى الله عليه وسلم أرسله الله رحمة للعالمين وكان
(٦٤٣)