اختلاف كثير في المسح والنضح والعدد ليس هذا موضعه إلا إن فتح الله ويؤخر في الأجل فنعمل كتابا في اعتبارات أحكام الشرع كلها في جميع الصور واختلاف العلماء فيه ليجمع بين الطريقتين ونظهر حكمة الشرع في النشأتين والصورتين أعني الظاهر والباطن ليكون كتابا جامعا لأهل الظاهر وأهل الاعتبار في الباطن والموازين الباحثين عن النسب والله المؤيد لا رب غيره (باب في آداب الاستنجاء ودخول الخلأ) وقد وردت في ذلك أخبار كثيرة وأوامر مثل النهي عن الاستنجاء باليمين ومس الذكر باليمين عند البول وعدم الكلام على الحاجة والتعوذ عند دخول الخلاء وهي كثيرة جدا فمن قائل بأنها كلها محمولة على الندب وعليه جماعة الفقهاء وأما في الاعتبار فهي كلها واجبة فإن الباطن ما حكمه في أوامر الحق حكم الظاهر فإن الله ما ينظر من الإنسان إلا إلى قلبه فيجب على العبد أن لا يزال قلبه طاهرا أبدا لأنه محل نظر الله منه والشرع ينظر إلى ظاهر الإنسان ويراعيه في الدار الدنيا دار التكليف أكثر من باطنه وفي الآخرة بالعكس هنالك تبلي السرائر وهنا يراعي الشرع أيضا الباطن في أفعال مخصوصة أوجب الشرع عليه فعلها وأفعال مخصوصة ندبه الشرع إليها وأفعال مخصوصة خيره الشرع بين فعلها وتركها وأفعال مخصوصة حرم الشرع عليه فعلها وأفعال مخصوصة كره الشرع له فعلها والحكم في الترك كذلك واختلفوا من هذه الآداب في استقبال القبلة بالغائط والبول واستدبارها فكانوا فيها على ثلاثة مذاهب فمن قائل إلى أنه لا يجوز استقبال القبلة الغائط أو بول أصلا في أي موضع كان ومن قائل إنه يجوز ذلك بإطلاق وبه أقول والتنزه عن ذلك أولى وأفضل ومن قائل إنه يجوز ذلك في الكنف المبنية ولا يجوز في الصحاري ولكل قائل حجة من خبر يستند إليه ذكر ذلك علماء الشريعة في كتبهم (وصل اعتبار الباطن في ذلك) لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله في قبلة المصلي وأن العبد إذا صلى واجه ربه فمن فهم من ذلك أن لقبلة المعلومة إليها نسب كون الله أو نسب إليها في حال صلاة المصلي خاصة فمن فهم إن المراد القبلة بتلك النسبة لم يجز استقبال القبلة عند الحاجة لسوء الأدب ومن فهم أن المراد حال المصلي أجاز استقبال القبلة عند الحاجة فإنه غير مصل الصلاة المخصوصة بالصفة المعلومة ومن رأى روح الصلاة وهو الحضور مع الله دائما ومناجاته كانت جميع أفعاله صلاة فلم يقل بالمنع من استقبال القبلة عند الحاجة فإنه في روح الصلاة لا ينفك دائما وهم أهل الحضور مع الله على الدوام والمشار إليهم بقوله تعالى والذين هم على صلاتهم دائمون اعتبارا فأما من لم يخطر له خاطر الحضور مع الله إلا في وقت الحاجة فذلك خاطر شيطاني لا يعول عليه ويجتنب استقبال القبلة ولا بد عندنا من هذه حالته فإنه من عمل الشيطان وقد أمرنا باجتناب عمل الشيطان في قوله إنه رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه وأما من بري الاستقبال في الكنف المبنية دون الصحاري فإن الكنف المبنية والمدن حال الجمعية فتشبه جمعية الأسماء الإلهية فما من شئ إلا وهو مرتبط بحقيقة إلهية به كانت معقوليته فإن المعدوم مرتبط بالتنزيه فلا يخلو صاحب هذا الحال عن مشاهدة ربه من حيث تلك الحقيقة فإن البناء والمدن دلتاه على ذلك فجاز له أن يستقبل القبلة وأن يكون بحكم الوطن وأما في الصحراء فهو وحده فلا مانع له من ترك استقبال القبلة بالحاجة فيتأدب ولا يستقبل احتراما لقول الشارع فإنه ما في الصحراء حالة تقيده لرؤية حقيقة إلهية إلا اختياره ولا ينبغي للعبد أن يكون له اختيار مع سيده قال تعالى وربك يخلق ما يشاء ويختار فما اختار المدن والكنف المبنية ما كان لهم الخيرة فيما لم يختره لهم فليس لهم أن يختاروا بل يقفون عند المراسم الشرعية فإن الشارع هو الله تعالى فيستعمل بهذا النظر جميع الأخبار الواردة في استقبال القبلة بالحاجة واستدبارها والنهي عن ذينك فقد أثبتنا في هذا الباب من فصول الطهارة ما يجري مجرى الأصول والقول الجامع في الطهارة هو أن نقول الطهارة من الإنسان المعقولة المعنى بما يزيلها أي شئ كان من البراهين جدلية كانت أو وجودية فإن الغرض إزالتها لا بما تزال ما لم يكن الذي تزال به يؤثر نجاسة في المحل فاذن ما زالت النجاسة وأما التي هي غير معقولة المعنى فطهارتها موقوفة على ما ينص الله تعالى في ذلك أو رسوله فيزيلها بذلك فإن شاء الحق عرفك بمعناه ونسبته فتكون إزالتها في حقك عن علم محقق وإذ لم يكن ذلك فهو المسمى بالتعبد وهو المعنى المطلق
(٣٨٥)