فاعلم ذلك وانظر في تصرف العارف في الدنيا كيف هو ولا يحمل تصرفه على تصرفك وجهلك وسوء تأويلك فترى الزهد عند ذلك أفضل منه هيهات هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب بل هي للعارف صفة كمالية سليمانية هي لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب فما أليق هذا الاسم بهذا السؤال أ تراه عليه السلام سأل ما يحجبه عن الله أو سأل ما يبعده من الله ثم انظر إلى أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمكنه الله من العفريت الذي فتك عليه فأراد أن يقبضه ويربطه بسارية من سواري المسجد حتى ينظر الناس إليه فتذكر دعوة أخيه سليمان فرده الله خاسئا فهذه حالة سليمانية حصلت لمحمد صلى الله عليه وسلم وما رده عنها الزهد فيها وإنما رده عن ذلك الأدب مع سليمان عليه السلام حيث طلب من ربه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وعلمنا من هذه القصة أن قوله لا ينبغي أنه يريد لا ينبغي ظهوره في الشاهد للناس لأحد وإن حصل بالقوة لبعض الناس كمسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العفريت فعلمنا أنه أراد الظهور في ذلك لأعين الناس ثم إن الله أجاب سليمان عليه السلام إلى ما طلب منه بأنه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة أخيه سليمان حتى لا يمضي ما قام بخاطره من إظهار ذلك ثم إن الله تمم هذه النعمة لسليمان عليه السلام بدار التكليف فقال له هذا عطاؤنا فأمتن أو أمسك بغير حساب فرفع عنه الحرج في التصريف بالاسم المانع والمعطي فاختص بجنة معجلة في الحياة الدنيا وما حجبه هذا الملك عن ربه عز وجل فانظر إلى درجة العارف كيف جمع بين العينين وتحقق بالحقيقتين فأخرج الزكاة من المال الذي بيده إخراج الوصي من مال المحجور عليه بقوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فجعله مالكا للإنفاق من حقيقة إلهية فيه في مال هو ملك لحقيقة أخرى فيه هو وليها من حيث الحقيقة الإلهية جعلنا الله من العارفين العلماء وبما أودع فيه من قرة أعين (وصل في فصل قول المال أنواع العطاء) اعلم أن المال يقبل أنواع العطاء وهو ثمانية أنواع لها ثمانية أسماء فنوع يسمى الإنعام ونوع يسمى الهبة ونوع يسمى الصدقة ونوع يسمى الكرم ونوع يسمى الهدية ونوع يسمى لجود ونوع يسمى السخاء ونوع يسمى الإيثار وهذه الأنواع كلها يعطى بها الإنسان ويعطى بسبعة منها الحق تعالى وهي ما عدا الإيثار فإن قال أجنبي فمن أي حقيقة إلهية ظهر الإيثار في الكون وهو لا يعطي على جهة الإيثار لأنه غني عن الحاجة والإيثار إعطاء ما أنت محتاج إليه إما في الحال وإما بالمال وهو أن تعطي مع حصول التوهم في النفس أنك محتاج إليه فتعطيه مع هذا التوهم فيكون عطاؤك إيثارا وهذا في حق الحق محال فقد ظهر في الوجود أمر لا ترتبط به حقيقة إلهية فنقول قد قدمنا أن الغني المطلق إنما هو للحق من حيث ذاته معرى عن نسبة العالم إليه فإذا نسبت العالم إليه لم تعتبر الذات فلم تعتبر الغني وإنما اعتبرت كونها إلها فاعتبرت المرتبة فالذي ينبغي للمرتبة هو ما تسمت به من الأسماء وهي الصورة الإلهية لا الذات من حيث عينها بل من كونها إلها ثم إنه أعطاك الصورة التي هي الخلافة وسماك بالأسماء كلها على طريق المحمدة فقد أعطاك ما هي المرتبة موقوفة نسبتها إليه وهي الأسماء الحسنى فإن قلت فإن المعطي لا يبقى عنده ما أعطاه قلنا هذا يرجع إلى حقيقة المعطي ما هو فإن كان محسوسا فإن المعطي يفقده بالإعطاء وإن كان معنى فإنه لا يفقده بالإعطاء ولهذا حددنا الإيثار بإعطاء ما أنت محتاج إليه ولم نتعرض لفقد المعطي ولا لبقائه فإن ذلك راجع إلى حقيقة الأمر الذي أعطيت ما هو فاعلم ذلك فمن هذه الحقيقة صدر الإيثار في العالم وما بعد هذا البيان بيان فالأنعام إعطاء ما هو نعمة في حق المعطي إياه مما يلائم مزاجه ويوافق غرضه والهبة الإعطاء لينعم خاصة والهدية الإعطاء لاستجلاب المحبة فإنها عن محبة ولهذا قال الشارع تهادوا تحابوا والصدقة إعطاء من شدة وقهر وإباية فأما في الإنسان لكونه جبل على الشح فمن يوق شح نفسه وإذا مسه الخير منوعا فإذا أعطى بهذه المثابة لا يكون عطاؤه لا عن قهر منه لما جبلت النفس عليه وفي حق الحق هذه النسبة حقيقة ما ورد من التردد الإلهي في قبضه نسمة المؤمن ولا بد له من اللقاء يريد قبض روحه مع التردد لما سبق في العلم من ذلك فهو في حق الحق كأنه وفي حق العبد هو لا كأنه أدبا إلهيا ودليل العقل يرمي مثل هذا
(٥٨٥)