إذا عبد تحقق إذ يقول * بأني قائل وهو المقول أ أعتب مثله والعدل نعتي * فقل بي ما تقول وما نقول يقول الله على لسان فرعون أنا ربكم الأعلى وهو سبحانه الأعلى حقيقة فإن الله هو ربنا الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى العبرة في ذلك للعالم فإن الله وصف العلماء بالخشية فقال إنما يخشى الله من عباده العلماء فيعتبر العالم كما أخبر الله من أين أخذ فرعون وهذه صفة الحق ظهرت بلسان فرعون فعلم أنه ما قالها نيابة عن الحق كما يقول المصلي سمع الله لمن حمده فلما غاب عن النيابة في ذلك القول طلبت الصفة موصوفها فرجعت إلى الحق جل جلاله وبقي فرعون معرى عنها على أنه ما لبسها قط عند نفسه فإن الله قد طبع على كل قلب متكبر جبار أن يدخله كبرياء إذ لا ينبغي ذلك الوصف إلا لمن لا يتقيد فهو الأعلى عن التقييد فكان الجزاء لفرعون لغيبته عن هذا المقام أن أخذه الله نكال الآخرة والأولى أي أوقفه على تقييده أنه ليس له هذا الوصف فالأولى للماضي وهي كلمة ما علمت لكم من إله غيري والآخرة للمستقبل وهي كلمة أنا ربكم الأعلى وهما عندنا إن الله أخذه نكال الآخرة والأولى في الأولى فاطلع بما أعلمه الله في أخذه ذلك عن الإطلاق الذي ادعاه بالتقييد الذي هو النكال فإن النكل في اللسان هو القيد ولما رأينا الله قد عبر بالنكال عرفنا إن النقيض هو الذي سلبه وهو الإطلاق ففي موطن يقول سبحانه ادعوني وفي موطن يعرفنا بأنه قد قضى القضية وما يبدل القول لديه وما سبق العلم به فهو كائن ولا ينجي حذر من قدر وفي ذلك قلت بيتين فيهما رمز حسن وهما إذا قلت يا الله قال لما تدعو * وإن أنا لم أدعو يقول ألا تدعو فقد فاز باللذات من كان أخرسا * وخصص بالراحات من لا له سمع فينبغي للعبد إذا قرأ القرآن أو تكلم بما تكلم به أو كلمه غيره أو سمع من سمع بأي لسان كان يتكلم فإنه ليس في العالم صمت أصلا فإن الصمت عدم والكلام على الدوام إذ فائدة الكلام الإفهام بالمقاصد للسامعين والأحوال مفهمة وهي الكلام ولا يخلو موجود أن يكون على حال ما فحاله هو عين كلامه لأنه المفهم الذي ينظر إليه ما هو عليه في وقته فلا لسان أفصح من لسان الأحوال وقرائن الأحوال تفيد العلوم التي تجئ بطريق العبارات والعبارات من جملة الأحوال عندنا فانطلق في الاصطلاح اسم الكلام على العبارات والعارفون بالله عندهم الوجود كله كلمات الله لا تنفد أبدا فافهم ما ينبغي للعبد أن يعرف من ذلك إذا سمع كلاما أو تكلم هو أن يفرق ما بين ما هو العبد فيه نائب عن الله وما هو الله فيه مترجم عن العبد ويميز ذلك بالصفة فإن الصفة تطلب موصوفها فإنه لا يقبلها إلا من هي له فإذا تضمن الكلام صفة لا تنبغي إلا للعبد فالعبد صاحبها وإن وصف الحق بها نفسه وإذا تضمن الكلام صفة لا تنبغي إلا لله فالله صاحبها وإن وصف العبد بها نفسه فهكذا تعتبر الكلام كله ممن وقع سواء كان بالعبارات أو بالأحوال فهذا معنى قوله إن في ذلك لعبرة لمن يخشى وهو العالم وقوله في ذا إشارة إلى ما تقدم في القصة والذي تقدم في القصة قوله أنا ربكم الأعلى وأخذ الله له نكال الآخرة والأولى أي هذه الدعوى أوجبت هذا الأخذ وإن الصفة طلبت موصوفها وهو الله وبقي فرعون عريا عنها فلم يكن له من يحميه عن الأخذ يقول الله عن نفسه جعت فلم تطعمني نيابة عن عبد جاع فلم تطعمه فطلبت الصفة موصوفها وهو العبد فهكذا فهم العارفون الحقائق (فصول بل وصول في أفعال الصلاة) (فصل بل وصل في رفع الأيدي في الصلاة) اختلف العلماء في رفع الأيدي في الصلاة أعني في حكمها وفي المواضع التي يرفعها فيها وفي حد الرفع فيها إلى أين ينتهي بها فأما الحكم فمن قائل إن رفع اليدين سنة في الصلاة ومن قائل إنه فرض وهؤلاء انقسموا أقساما فمنهم من أوجب ذلك في تكبيرة الإحرام فقط ومنهم من أوجب ذلك في الاستفتاح وعند الانحطاط إلى الركوع وعند الرفع من الركوع ومنهم من أوجب ذلك في هذين الموضعين وعند السجود وأما المواضع التي ترفع فيها الأيدي في الصلاة
(٤٣٦)