(وصل في اعتبار ذلك) العالم كله كلمات الله في الوجود قال الله تعالى في حق عيسى عليه السلام وكلمته ألقاها إلى مريم وقال تعالى ما نفدت كلمات الله وقال تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والكلم جمع كلمة ويقول تعالى للشئ إذا أراده كن فيكسو ذلك الشئ التكوين فيكون فالوجود فيه رق منشور والعالم فيه كتاب مسطور بل هو مرقوم لأن له وجهين وجه يطلب العلو والأسماء الإلهية ووجه يطلب السفل وهو الطبيعة فلهذا رجحنا اسم المرقوم على المسطور فكل وجه من المرقوم مسطور وفي ذلك أقول إن الكيان عجيب في تقلبه * فيه لناظره نقش وتحبير انظر إليه ترى ما فيه من بدع * إذ كل وجه من المرقوم مسطور أن الوجود لسر حار ناظره * الكون مرتقم والرق منشور فالأمر كما قلنا رق منشور والأعيان فيه كتاب مسطور فهو كلمات الله التي لا تنفد فبيته معمور وسقفه مرفوع وحرمه ممنوع وأمره مسموع فأين يذهب هذا العبد وهو من جملة حروف هذا المصحف أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون هل تدعون الشريك لعينه لا والله إلا لكونه في اعتقادكم إلها فالله دعوتم لا تلك الصورة ولهذا أجيب دعاؤكم والصورة لا تضر ولا تنفع انظر في قوله قل سموهم فإن سموهم بهم فهم عينهم فلا يقولون في معبودهم حجر ولا شجر ولا كوكب ينحته بيده ثم يعبده فما عبد جوهره والصورة من عمله وإن سموهم بالإله عرفت أن الإله عبدوا هذا تحقيق الأمر في نفسه وقد أشارت الآية الواردة في القرآن إلى ما ذهبنا إليه بقوله تعالى وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه فهو عندنا بمعنى حكم وعند من لا علم له من علماء الرسوم بالحقائق بمعنى أمر وبين المعنيين في التحقيق بون بعيد وفي قول محمد صلى الله عليه وسلم معلما لنا أعبد الله كأنك تراه وفي حديث جبريل معه صلى الله عليه وسلم حين سأله عن الإحسان بحضور جماعة من الصحابة ما هو فقال صلى الله عليه وسلم أن تعبد الله كأنك تراه فجاء بكأن وقد علمت إن الخيال خزانة المحسوسات وأن الحق ليس بمحسوس لنا وما نعقل منه إلا وجوده فجاء بكأن لندخله تحت قوة البصر فنلحقه بالوهم بالمحسوسات فقربنا من هؤلاء الذين عبدوه فيما نحتوه فتدبر ما أشرنا إليه فإن الأمر لا يكون إلا كما قرره الشارع فقرر في موضع ما أنكره في موضع آخر فالعالم منا أن يقرر ما قرره الحق في الموضع الذي قرره الحق ولينكر ما أنكره الحق في الموضع الذي أنكره الحق فما ثم إلا الايمان الصرف فلا تأخذ من سلطان عقلك إلا القبول فانظر ما أشرف حرف التمثيل الذي هو كان كان سلطاننا فانظر له خبرا * فإنه خبر عنها مع الخبر كان حرف له في الكون سلطنة * إن كنت تعلم أن العلم في النظر هو الإمام الذي فيه نصرفه * ولا يقاومه خلق من البشر ولا شك أن أهل الله جعلوا القلب كالمصحف الذي يحوي على كلام الله كما إن القلب قد وسع الحق جل جلاله حين ضاق عنه السماء والأرض فكما أمرنا بتنزيه القلب عن إن يكون فيه دنس من دخول الأغيار فيه ورأينا أن المصحف قد حوى على كلام الله وهو صفته والصفة لا تفارق الموصوف فمن نزه الصفة نزه الموصوف ومن راعى الدليل على أمر ما فقد راعى المدلول الذي هو ذلك الأمر فعلى كلا المذهبين ينبغي أن ينزه المصحف أن يمسه جنب وقد نهينا أن نسافر بالقرآن إلى أرض العدو فسمى المصحف قرآنا لظهوره فيه وما نهى حملة القرآن عن السفر إلى أرض العدو وإن كان القرآن في أجوافهم محفوظا مثل ما هو في المصحف وذلك لبطونه فيهم ألا ترى النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحجزه شئ عن قراءة القرآن ليس الجنابة لظهور القرآن عند القراءة بالحروف التي ينطق بها التي أخبرنا الحق أنها كلامه تعالى فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم فأجره حتى يسمع كلام الله فتلاه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي للجنب وهو الغريب عما يستحقه الحق فإن البعد بالحقائق والحدود ما يكون فيه قرب أبدا وبعد المسافة قد يقرب صاحبها من صاحبها الذي يريد قربه فكما لا يكون الرب عبدا كذلك لا يكون العبد ربا لأنه لنفسه هو عبد كما إن الرب
(٣٦٦)