العسل والسكر إذا وجده مرا فالمباشر للعضو القائم به قوة الذوق إنما هو المرة الصفراء فلذلك أدرك المرارة فالحس يقول أدركت مرارة والحاكم إن أخطأ يقول هذا السكر مر وإن أصاب عرف العلة فلم يحكم على السكر بالمرارة وعرف ما أدركت القوة وعرف أن الحس الذي هو الشاهد مصيب على كل حال وأن القاضي يخطئ ويصيب (فصل) وأما معرفة الحق من هذا المنزل فاعلم إن الكون لا تعلق له بعلم الذات أصلا وإنما متعلقة العلم بالمرتبة وهو مسمى الله فهو الدليل المحفوظ الأركان الساد على معرفة الإله وما يجب أن يكون عليه سبحانه من أسماء الأفعال ونعوت الجلال وبأية حقيقة يصدر الكون من هذه الذات المنعوتة بهذه المرتبة المجهولة العين والكيف وعندنا لا خلاف في أنها لا تعلم بل يطلق عليها نعوت تنزيه صفات الحدث وأن القدم لها والأزل الذي يطلق لوجودها إنما هي أسماء تدل على سلوب من نفي الأولية وما يليق بالحدوث وهذا يخالفنا فيه جماعة من المتكلمين الأشاعرة ويتخيلون أنهم قد علموا من الحق صفة نفسية ثبوتية وهيهات أنى لهم بذلك وأخذت طائفة ممن شاهدناهم من المتكلمين كأبي عبد الله الكتاني وأبي العباس الأشقر والضرير السلاوي صاحب الأرجوزة في علم الكلام على أبي سعيد الخراز وأبي حامد وأمثالهما في قولهم لا يعرف الله إلا الله وإنما اختلف أصحابنا في رؤية الله تعالى إذا رأيناه في الدار الآخرة بالأبصار ما الذي نرى وكلامهم فيه معلوم عند أصحابنا وقد أوردنا تحقيق ذلك في هذا الكتاب مفرقا في أبواب منازله وغيرها بطريق الإيماء لا بالتصريح فإنه مجال ضيق تقف العقول فيه لمناقضته أدلتها فهو المرئي سبحانه على الوجه الذي قاله وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ما أراده من ذلك فإن الناظرين فيما قاله وأوحي به إلينا اختلفوا في تأويله وليس بعض الوجوه بأولى من بعض فتركنا الخوض في ذلك إذا الخلاف فيه لا يرتفع من العالم بكلامنا ولا بما نورده فيه (فصل) وأما حديث الأوتاد الذي يتعلق معرفتهم بهذا الباب فاعلم إن الأوتاد الذين يحفظ الله بهم العالم أربعة لا خامس لهم وهم أخص من الأبدال والإمامان أخص منهم والقطب هو أخص الجماعة والأبدال في هذا الطريق لفظ مشترك يطلقون الأبدال على من تبدلت أوصافه المذمومة بالمحمودة ويطلقونه على عدد خاص وهم أربعون عند بعضهم لصفة يجتمعون فيها ومنهم من قال عددهم سبعة والذين قالوا سبعة منا من جعل السبعة الأبدال خارجين عن الأوتاد متميزين ومنا من قال إن الأوتاد الأربعة من الأبدال فالأبدال سبعة ومن هذه السبعة أربعة هم الأوتاد واثنان هما الإمامان وواحد هو القطب وهذه الجملة هم الأبدال وقالوا سموا أبدالا لكونهم إذا مات واحد منهم كان الآخر بدله ويؤخذ من الأربعين واحد وتكمل الأربعون بواحد من الثلاثمائة وتكمل الثلاثمائة بواحد من صالحي المؤمنين وقيل سموا أبدالا لأنهم أعطوا من القوة أن يتركوا بدلهم حيث يريدون لأمر يقوم في نفوسهم على علم منهم فإن لم يكن على علم منهم فليس من أصحاب هذا المقام فقد يكون من صلحاء الأمة وقد يكون من الأفراد وهؤلاء الأوتاد الأربعة لهم مثل ما للابدال الذين ذكرناهم في الباب قبل هذا روحانية إلهية وروحانية آلية فمنهم من هو على قلب آدم والآخر على قلب إبراهيم والآخر على قلب عيسى والآخر على قلب محمد عليهم السلام فمنهم من تمده روحانية إسرافيل وآخر روحانية ميكائيل وآخر روحانية جبريل وآخر روحانية عزرائيل ولكل وتدركن من أركان البيت فالذي على قلب آدم ع له الركن الشامي والذي على قلب إبراهيم له الركن العراقي والذي على قلب عيسى ع له الركن اليماني والذي على قلب محمد صلى الله عليه وسلم له ركن الحجر الأسود وهو لنا بحمد الله وكان بعض الأركان في زماننا الربيع بن محمود المارديني الحطاب فلما مات خلفه شخص آخر وكان الشيخ أبو علي الهواري قد أطلعه الله عليهم في كشفه قبل أن يعرفهم وتحقق صورهم فما مات حتى أبصر منهم ثلاثة في عالم الحس أبصر ربيعا المارديني وأبصر الآخر وهو رجل فارسي وأبصرنا ولازمنا إلى أن مات سنة تسع وتسعين وخمسمائة أخبرني بذلك وقال لي ما أبصرت الرابع وهو رجل حبشي واعلم أن هؤلاء الأوتاد يحوون على علوم جمة كثيرة فالذي لا بد لهم من العلم به وبه يكونون أوتادا فما زاد من العلوم فمنهم من له خمسة عشر علما ومنهم من له ولا بد ثمانية عشر علما ومنهم من له أحد وعشرون علما ومنهم من له أربعة وعشرون علما فإن أصناف العدد كثيرة هذا العدد من أصناف العلوم لكل واحد
(١٦٠)