(وصل في فصل الصوم المندوب إليه) وسأذكر من ذلك ما هو مرغب فيه بالحال كالصوم في الجهاد وبالزمان كصوم الاثنين والخميس وعرفة وعاشوراء والعشر وشعبان وأمثال ذلك وما هو معين في نفسه من غير تقييده بيوم مخصوص من أيام الجمعة كعاشوراء وعرفة فمن كونه معين الشهر ألحقناه بالزمان ومن كونه مجهولا في أيام الجمعة لم نقيده بالزمان ومنه ما هو معين في الشهور كشهر شعبان ومنه ما هو مطلق في الأيام مقيد بالشهور كالأيام البيض وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ومنه ما هو مطلق كصوم أي يوم شاء ومنه ما هو مقيد بالتوقيت كصيام داود صيام يوم وفطر يوم وما يجري هذا المجرى وأما صوم يوم عرفة في عرفة فمختلف فيه وفي غير عرفة مرغب فيه إلا أنه على كل حال يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وأما صوم الستة الأيام من شوال فمرغب فيها والخلاف في وقتها من شوال وفي تتابعها وفيها خلاف شاذ وهو أن يوقع أول يوم منها في شوال وباقي الأيام في سائر أيام السنة (وصل في فصل الصوم في سبيل الله) خرج مسلم في الصحيح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه من النار سبعين خريفا فذكر صوم العبيد لا صوم الأحرار والعبيد بالحال قليل وبالاعتقاد جميعهم والصوم تشبيه إلهي ولهذا نفاه عن العبد بقوله تعالى الصوم لي وليس للعبيد من الصوم إلا الجوع فالتنزيه في الصوم لله والجوع للعبد فإذا أقيم العبد في التشبيه بالإله المعبر عنه بالتخلق بالأسماء في صفة القهر والغلبة للمنازع الذي هو العدو ولهذا جعله في الجهاد أعني الصوم لأن السبيل هنا في الظاهر الجهاد عرفنا هذا بقرائن الأحوال لا مطلق اللفظ فإن أخذناه على مطلق اللفظ لا على العرف وهو نظر أهل الله في الأسماء يراعون ما قيد الله وما أطلقه فيقع الكلام بحسب ما جاء فجاء بلفظ التنكير في السبيل ثم عرفه بالإضافة إلى الله تعالى والله هو الاسم الجامع لجميع حقائق الأسماء كلها وكلها لها بر مخصوص وسبيل إليها فأي بر كان فيه العبد فهو في سبيل بر وهو سبيل الله فلهذا أتى بالاسم الجامع فعم كما تعم النكرة أي لا تعين وكذلك نكر يوما وما عرفه ليوسع بذلك كله على عبيده في القرب إلى الله ثم نكر سبعين خريفا فأتى بالتمييز والتمييز لا يكون إلا نكرة ولم يعين زمانا فلم ندر هل سبعين خريفا من زمان أيام العرب أو أيام ذي المعارج أو أيام منزلة من المنازل أو أيام واحد من الجواري الخنس والكنس أو من أيام الحركة الكبرى أو من الأيام المعلومات عندنا فأبهم الأمر فساوى التنكير الذي في مساق الحديث وكذلك قوله وجهه أبهمه هل هو وجهه الذي هو ذاته أو وجهه المعهود في العرف وكذلك قوله من النار بالألف واللام هل أراد به النار المعروفة أو الدار التي فيها النار لأنه قد يكون على عمل يستحق دخول ذلك الدار ولا تصيبه النار وعلى الحقيقة فما منا إلا من يردها فإنها الطريق إلى الجنة ولو لم يكن في المعنى إلا كون الصراط عليها في الآخرة وفي الدنيا حفت بالمكاره وقد ألقيتك على مدرجة التحقيق في النظر في كلام الله وفي كلام المترجم عن الله من رسول مرسل أو ولي محدث (وصل في فصل تخيير الحامل والمرضع في صوم رمضان مع الطاقة عليه بين الصوم والإفطار) فأشبه المفروض من وجه وهو إذا اختاره وقبل التخيير كان حكمه في حقه حكم المباح المخير في فعله وتركه فأشبه التطوع وفعل المندوب إليه خير من تركه ولهذا قال فيه وأن تصوموا خير لكم خرج مسلم عن سلمة بن الأكوع قال كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى بطعام مسكين حتى نزلت هذه الآية فمن شهد منكم الشهر فليصمه فمنهم من جعل ذلك نسخا ومنهم من جعله تخصيصا وهو مذهبنا فبقي حكم الآية في الحامل والمرضع إذا خافتا على ولد هما وسماه الله تطوعا وقال فمن تطوع خيرا فهو خير له فنكر خيرا فدخل فيه الإطعام والصوم ذكر البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال ابن عباس ليست بمنسوخة هو للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وقال أبو داود عن ابن عباس أثبتت في الحبلى والمرضع وقال الدارقطني عن ابن عباس في هذا يطعم كل يوم مسكينا نصف صاع من حنطة اعلم أن الحق إذا خير العبد فقد حيره فإن
(٦٢٣)