واستحكم وانصبت إليه قلوب الرعايا وأحبته وملكها بإحسانه تقوى على الملك وعزله وخلعه على غير علم من الرعايا فقال له الملك إذ خلعتني فلا تظهر للرعية أنك خلعتني فتنسب إلى قلة المروءة حيث وليتك على علم منهم فجازيتني بالإساءة فربما يتطرق إليك الذم فلا تفعل وإني قد عهدت إلى الرعية عند ما وليتك واستنبتك أن يسمعوا لك ويطيعوا وجعلت لك النظر فيهم بما تراه وقلت لهم إن جميع ما يراه هذا النائب فاعملوا به سواء خالف نظري ورأيي أو وافقه فإني قد علمت أنه ما يأمركم إلا بما فيه صلاحكم فقد مشيت لك مرادك في الملك فإنك تحتاج إلي في أوقات فإنهم لولا أني آمرهم من حيث لا تشعر ما أطاعوك وردوا أمرك فليس لك مصلحة في إظهار خلعي وعزلي فإنهم إن صح عندهم عزلي لم يقبلوا منك وعزلوك ولم يسمعوا لك ولا أطاعوا فهذا مثل العقل الذي أعطى المعرفة الأولى وهو الملك والشرع مثله مثل النائب وما خاطب الشارع إلا ليسمع ولا يسمع منه إلا ذو عقل فبالعقل الذي ولاة به يسمع المكلف خطابه لأنه إذا زال العقل سقط التكليف ولم يبق للشرع عليه سلطان ولا حجة فأولو الألباب والنهي هم المخاطبون وهذا هو عين إمداد الملك للرعايا الذي أوصاه بحفظه عليهم فافهم فهذه المعرفة الثانية بالله الذي أعطاها النائب في العامة والملك الذي هو العقل لا يعرفها ولكن أمر بقبولها حتى لا ينسب إلى التقصير ولا يتحدث عنه أنه عزل ولذلك تأول من العقلاء من تأول ما جاءت به الشريعة مما يخالف نظر العقل وسلمه آخرون فلم يقولوا فيه بشئ فإنهم قالوا قد تقرر عندنا من الملك لما ولاة أن نسمع له ونطيع على كل حال فلا نسفه رأى العقل في توليته الشرع واستنابته وهكذا وقعت صورة الحال لمن نظر واستبصر فهذا اعتبار المرأة في السفر إلى الحج وما فيه من الخلاف الذي تقدم في وجوب ذي المحرم أو سقوطه (وصل في فصل وجوب العمرة) فمن قائل بوجوبها ومن قائل إنها سنة ومن قائل إنها تطوع العمرة الزيارة للحق بعد معرفته بالأمور المشروعة فإذا أراد أن يناجيه فلا يتمكن له ذلك إلا بأن يزوره في بيته وهو كل موضع تصح فيه الصلاة فيميل إليه بالصلاة فيناجيه لأن الزيارة الميل ومنه الزور وزار فلان القوم إذا مال إليهم وكذلك إذا أراد أن يزوره بخلعته تلبس بالصوم وتجمل به ليدخل به عليه وإذا أراد أن يزوره بعبوديته تلبس بالحج فالزيارة لا بد منها والعمرة واجبة في أداء الفرائض سنة في الرغائب تطوع في النوافل غير المنطوق بها في الشرع فأي جانب حكم عليك مما ذكرناه حكمت على العمرة به من وجوب أو سنة أو تطوع فافهم (وصل في فصل في المواقيت المكانية للإحرام) وهي أربعة بالاتفاق وخمسة باختلاف ذو الحليفة والجحفة وقرن ويلملم وذات عرق وهو المختلف فيه أعني ذات عرق هل وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عمر بن الخطاب وقيل العقيق وجعلوه أحوط من ذات عرق فكان سادسا بخلاف فأشبه عدد المواقيت أعداد الصلوات فمن جعلها أربعة اعتبر أن المغرب وتر صلاة النهار فكأنه جئ بها لغيرها لا لنفسها كما في صلوات الفرض ومن اعتبر الفرضية في الجميع قال خمسة ومن اعتبر قوله عليه السلام إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم قال بوجوب الوتر لأن كل فرض واجب فاجتمع الوتر مع الخمس الصلوات المفروضة بالقطع في الوجوب لا في الفرضية فارتفع عن درجة التطوع ومما يقوي وجوبه تشبيهه بصلاة المغرب فقال في الوتر إنه لصلاة الليل فيقوي لشبهة بالفرض في المغرب حيث جعل وتر الصلاة النهار وضعف المغرب عن باقي الصلوات المفروضة لكون الوتر الذي ليس بفرض بالاتفاق شبه به فعين ما يقوى به الوتر هو الذي أضعف المغرب والصلاة نور والحج عبودية فارتبطا فإن الله قسم الصلاة بينه وبين العبد والمواقيت مكانية ومواقيت الفرائض الجماعة في المساجد (وصل في فصل حكم هذه المواقيت) فمن مر عليها وهو يريد الحج والعمرة وتعداها ولم يحرم منها فإن عليه دما وقال قوم لا دم عليه والذين قالوا بالدم فيهم من قال إن رجع إلى الميقات وأحرم سقط عنه الدم ومنهم من قال لا يسقط وإن رجع وقال قوم إن لم يرجع إلى الميقات فسد
(٦٧٤)