أوجب عليه أن يقولها وحكم عليه أن يقولها ولولا هذا الحكم ما قالها على جهة القربة إلى الله وربما لو قالها قالها معلما أو معلما دخلت على شيخنا أبي العباس العريبي من أهل العلياء وكان مستهترا بذكر الاسم الله لا يزيد عليه شيئا فقلت له يا سيدي لم لا تقول لا إله إلا الله فقال لي يا ولدي الأنفاس بيد الله ما هي بيدي فأخاف أن يقبض الله روحي عند ما قول لا له فأقبض في وحشة النفي وسألت شيخنا آخر عن ذلك فقال لي ما رأت عيني ولا سمعت أدنى من يقول أنا الله غير الله فلم أجد من أنفى فأقول كما سمعته يقول الله الله وإنما تعبدنا بهذا الاسم في التوحيد لأنه الاسم الجامع المنعوت بجميع الأسماء الإلهية وما نقل إنه وقعت من أحد من المعبودين فيه مشاركة بخلاف غيره من الأسماء مثل إله وغيره وبهذا القدر من القول إذا قيل لقول الشارع يثبت الايمان وإنما قال الشارع حتى يقولوا لا إله إلا الله ولم يقل محمد رسول الله لتضمن هذه الشهادة بالتوحيد الشهادة بالرسالة فإن القائل لا إله إلا الله لا يكون مؤمنا إلا إذا قالها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قالها لقوله فهو عين إثبات رسالته فلما تضمنت هذه الكلمة الخاصة الشهادة بالرسالة لهذا لم يقل قولوا محمد رسول الله وقال في غير القول وهو الايمان والايمان معنى من المعاني ما هو مما يدرك بالحس فقرن بالإيمان بالله الايمان به وبما جاء به يعني من عنده مما له أن يشرعه من غير نقل عن الله فقال في حديث ابن عمر لما ذكر الايمان بالله وبالصلاة والزكاة والحج والصوم وكل هذا جاء من عند الله قال في حديث ابن عمر أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به من أجل المنافق المقلد فإنه يقولها من غير إيمان بقلبه ولا اعتقاد والجاحد المنافق يقولها لا لقوله مع علمه بأنه رسول الله من كتابه لا من دليله العقلي واعلم أن التلفظ بشهادة الرسالة المقرونة بشهادة التوحيد فيه سر إلهي عرفنا به الحق سبحانه وهو أن الإله الواحد الذي جاء بوصفه ونعته الشارع ما هو التوحيد الإلهي الذي أدركه العقل فإن ذلك لا يقبل اقتران الشهادة بالرسالة مع الشهادة بالتوحيد فهذا التوحيد من حيث ما يعلمه الشارع ما هو التوحيد من حيث ما أثبته النظر العقلي وإذا كان الإله الذي دعانا الشرع إلى عبادته وتوحيده إنما هو في رتبة كونه إلها لا في ذاته صح أن تنعته بما نعته به من النزول والاستواء والمعية والتردد والتدبر وما أشبه ذلك من الصفات التي لا يقبلها توحيد العقل المحض المجرد عن الشرع فهذا المعبود ينبغي أن تقرن شهادة الرسول برسالته بشهادة توحيد مرسله ولهذا يضاف إليه فيقال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله كل يوم ثلاثين مرة في أذان الخمس الصلوات وفي الإقامة والمتلفظون بهذه الشهادة الرسالية التفصيل فيهم كالتفصيل في شهادة التوحيد فلنمش بها على ذلك الأسلوب من المراتب وفي الايمان بالله وبرسوله الايمان بكل ما جاء به من عند الله ومن عنده مما سنه وشرعه ويدخل فيما سنه الايمان بسنة من سن سنة حسنة فاستمر الشرع وحدوث العبادة المرغب فيها مما لا ينسخ حكما ثابتا إلى يوم القيامة وهذا الحكم خاص بهذه الأمة وأعني بالحكم تسميتها سنة تشريفا لهذه الأمة وكانت في حق غيرهم من الأمم السالفة تسمى رهبانية قال تعالى ورهبانية ابتدعوها فمن قال بدعة في هذه الأمة مما سماها الشارع سنة فما أصاب السنة إلا أن يكون ما بلغه ذلك والاتباع أولى من الابتداع والفرق بين الاتباع والابتداع معقول ولهذا جنح الشارع إلى تسميتها سنة وما سماها بدعة لأن الابتداع إظهار أمر على غير مثال هذا أصله ولهذا قال الحق تعالى عن نفسه بديع السماوات والأرض أي موجدها على غير مثال سبق فلو شرع الإنسان اليوم أمرا لا أصل له في الشرع لكان ذلك إبداعا ولم يكن يسوع لنا الأخذ به فعدل الشارع عن لفظ الابتداع إلى لفظ السنة إذ كانت السنة مشروعة وقد شرع الله لمحمد صلى الله عليه وسلم الاقتداء يهدي الأنبياء عليهم السلام والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الثلاثون (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الثامن والستون في أسرار الطهارة) تبصر ترى سر الطهارة واضحا * يسيرا على أهل التيقظ والذكاء
(٣٢٩)